تفسير العثيمين: ص
الناشر
دار الثريا للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م
مكان النشر
الرياض - المملكة العربية السعودية
تصانيف
فالحروب والقتال الذي وقع بينهم وبين الرسول ﷺ كان عذابًا لهؤلاء المكذبين، وكان على يدي النبي ﷺ وأصحابه، كما قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: ١٤ - ١٥] ولا شك أن عذاب الأعداء على يد النبي ﷺ وأصحابه أشفى لصدورهم مما لو كان العذاب من الله ﷾. وهذا شيء مشاهد. إذا كانت غلبة عدوك على يدك، كان ذلك أشفى لصدرك، وأحيا لنفسك وأقوى وأعز، مما لو أهلكه الله بعذاب من عنده. فلهذا كان هلاك المكذبين لرسول الله ﷺ على يد الرسول ﷺ وأصحابه.
قوله تعالى: ﴿مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا﴾، الضمائر تعود على الألفاظ باعتبار لفظها، ويجوز أن تعود على الألفاظ باعتبار معناها. ألم تروا إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]، قال: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ ولم يقل: اقتتلا، لو قال: اقتتلا لكان الضمير عائدًا على اللفظ ﴿طَائِفَتَانِ﴾، ولما قال: ﴿اقْتَتَلُوا﴾ صار عائدًا على المعنى، لأن الطائفة جماعة. إذًا قوله: ﴿فَنَادَوْا﴾ أي: القرن، فأعاد الضمير عليها باعتبار المعنى.
وقوله: ﴿فَنَادَوْا﴾ يقول المؤلف: [حين نزول العذاب بهم] ولكن نادوا مَنْ؟ هل المعنى نادى بعضهم بعضًا؟ يستغيث بعضهم ببعض، أو المعنى أنهم نادوا الله، أي: دعوه أن يغيثهم، أو المعنى أنه حصل منهم الأمران؟
1 / 19