تفسير العثيمين: سبأ
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
فَإنْ قِيلَ: في قوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الدُّنيا أَمْ في الآخِرة؟
فالجوابُ: أنه لمَّا ذَكَر المَغفِرة فإن آثارَها لا تَظهَر إلَاّ في الآخِرة، ولكن -كما سَبَق- أنَّ الأَحسَن العُموم.
فإن قُلتَ: إننا نَجِد من المُؤمِنين العامِلين الصالحِاتِ مَن هو فقير، فأَينَ الكرَمُ في الرِّزْق؟
فالجوابُ: أن نَقول كما قال النَّبيُّ ﷺ: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" (^١)، فقد يَكون الإنسان عنده مالٌ كثير لكن حاله حال الفُقراءِ.
أمَّا مَن لا يَرَى أن ما أُوتيه النبيُّ ﷺ حَقٌّ فهذا لا يُمكِن، فكل مَن أُوتِيَ عِلْمًا فإنه يَرَى أن ما جاء به النبيُّ ﵊ هو الحقُّ، لكنه يَكون مُعانِدًا مُستكبرًا، مُشكِلة هذا المُكابَرةِ، وهي أَمْرٌ ما فيها إلَاّ السَّيْف إذا استَحَقَّ القَتْل، وإلَّا كُلُّ إنسانٍ يُؤتَى العِلْم لا بُدَّ أن يَشهَد بالحقِّ لما جاء به الرسول ﵊؛ لأنَّ ما جاء به الرسول مُطابِقٌ للواقِع، فلا بُدَّ أن يَعلَم أنه حَقٌّ.
وقد قال الله ﷾ عن آل فِرعونَ: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، فهم يَستيقِنون بها، وَيعلَمون أنها الحقُّ لكنهم يَجحَدون، وقال: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣].
وقوله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ يَشمَل كُلَّ مَن آتاه الله تعالى العِلْم حتى عبدَ الله بنَ سلَام وغيرَه، ومن الجائِز أن تَنزِل الآية قبل أن يَحدُث الواقِعُ.
_________
(^١) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، رقم (٦٤٤٦)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، رقم (١٠٥١)، من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 63