تفسير العثيمين: الزمر
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
لها، يَنْذِرون لها، يتصدَّقون لها، لكن لا يعتقدون أنَّ هذه الأصنام تَنْفَعُهم أو تضرُّهُم بذاتها ولا أنها تَخْلُق ولا أنها ترزق، لكن يَدَّعُون أنَّهم اتَّخَذوها وسيلة.
ولهذا يقول ﵀: [﴿أَوْلِيَاءَ﴾ وهم كفَّارُ مكَّة] وتخصيص هذا بكُفَّار مكة فيه قصور، ولا ينبغي أن نفسِّر العامَّ بما هو أخَصُّ إلا على سبيل التَّمْثيل، أما على سبيل تَحْديدِ المعنى بحيث يأتي اللَّفْظ في القرآن عامًّا ثم نُفَسِّره بمعنًى أخصَّ، فإن هذا قصورٌ في الحقيقة، لكن: نَعَم، إن أراد الإنسانُ بهذا التَّفسيرِ التمثيلَ؛ يعني مِثْل كفَّار مكَّة فهذا لا بأس به، لكِنَّ القارِئَ الذي يقرأ مثل هذه العبارة من كلام المُفَسِّر لا يشُكُّ أنَّ المُفَسِّر أراد بهذا التَّخصيصَ، وفي هذا نظرٌ ظاهِرٌ، فالواجب إبقاءُ دَلالة عموم الآيات وكذلك الأحاديث على ما هي عليه، حتى يقومَ دليلٌ عقليٌّ أو قرينة لفظيَّة على أنَّ المراد الخاصُّ.
فائِدَة: قوله: ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ الأَحْسَنُ الوقوف عليها في القراءَةِ.
يقول ﵀: [وهم كفَّار مكَّة قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾]، [قالوا] هذه الجملة محذوفة لأنَّها معلومةٌ من السِّياق، ويصِحُّ أن نُقَدِّرَ: يقولون: ما نعبدهم، ولعلَّها أنسَبُ من قول المُفَسِّر: [قالوا]: يعني حكايةً للحالِ التي هم عليها، وعلى كلًّ فالجُمْلَة المحذوفة هي خبر المبتدأ، وهي قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ ولا يجوز أن نجعل جملة: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ هي الخبر لفساد المعنى قال: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ هذا حصر لمرادهم من عبادة هذه الأصنام؛ يعني ما نَعْبُدُهم إلا لهذا الغَرَضِ ﴿لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ وهذا إقرارٌ منهم واعترافٌ بأنَّهم يعبدون الأصنام؛ لقولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ﴾ وأن هذه العبادَةَ هي وسيلَةٌ لغايَةٍ أشْرَفَ منها، وهي: القُرْبَى لله ﷿.
وهذا من جهلهم؛ لأنَّهم الآن إذا عبَدوهم جعلوها غايةً؛ لأنَّ المقصود هو
1 / 30