تفسير العثيمين: الزمر
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
ما بعدها يكون مُرَتَّبًا على ما قَبْلها، فالمعنى: فلإِنْزَالِنا إليك الكتابَ اعْبُدِ الله مُخْلِصًا له الدين؛ (اعْبُد) الخطاب للنَّبيِّ ﷺ.
وقوله تعالى: ﴿مُخْلِصًا﴾ حالٌ من فاعل (اعبُد) وإخلاص الشَّيْء تَنْقِيَتُه من الشَّوائِب، وإزالة ما يخالِطُه، فإذا كان: ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ فالمعنى: أنْ تُنَقِّيَ دينَكَ مِن كُلِّ شِرك؛ ولهذا قال المُفَسِّر ﵀: [﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ من الشرك؛ أي: موحِّدًا له] أي: لله ﷿.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ الدِّينَ﴾: ﴿الدِّينَ﴾ يعني: العَمَل، والمراد به هنا: العمل المخصوصُ، وهو: العبادة؛ لقوله: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ ولم يَقُل: مخلصًا له العبادَةَ؛ لأنَّ الدِّين هو العمل الذي يريد العامِلُ عليه مكافأةً؛ هذا الدين، ومنه قولهم: كما تدين تُدانُ، واعلم أنَّ الدِّينَ يُطْلَق على العمل الذي يُرادُ به المكافأةُ، ويُطلَق على نفس المكافَأَة، وهي الثَّواب على العمل.
فمِن الأوَّل مِثْلُ هذه الآية ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٦]، وقوله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]؛ أي: عملًا تتعبَّدون به.
ومثال الثاني قوله ﵎: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤]، يعني: يوم الجزاء على العَمَل، ومثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ [الانفطار: ١٧، ١٨]؛ أي: يوم الجزاء على العمل.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: فضيلَةُ رسولِ الله ﷺ وعُلُوُّ مَرْتَبَتِه، وذلك بإنزال كتاب الله إليه؛ لقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾. وهل إنزالُ القرآنِ إلى الرَّسول إنزالٌ إلينا؟
1 / 22