تفسير العثيمين: الشورى
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن القرآنَ كلامُ اللهِ؛ لقولِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا﴾ وَجْهُ كونِهِ كلامَ اللهِ: أن هذا القرآنَ كلامٌ، وإذا كان كلامًا وقد أضافه اللهُ لنفْسِهِ عَلِمْنَا أنه كلامُ اللهِ ﷿، وهل هو مخلوقٌ؟ لا؛ لِوَجْهَيْنِ:
الوجهُ الأولُ: أنه وصفُهُ وجميعُ أوصافِ اللهِ غيرُ مخلوقةٍ؛ لأنَّ الصفةَ تابعةٌ للذاتِ، فالخالقُ هو اللهُ وصفاتُهُ غير مخلوقةٍ.
الوجهُ الثانِي: لو قُلْنَا: إنه مخلوقٌ لَبَطَلَ الأمرُ والنهيُ؛ لأننا إذا قلنا: إنه مخلوقٌ، صار شيئًا مخلوقًا على شيءٍ معيَّنٍ، كما تُخْلَقُ الشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والأنهارُ على شكلٍ مُعَيَّنٍ.
فيكونُ مثلًا: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [الأنعام: ٧٢] ليستْ أمرًا؛ لأنَّه خُلِقَ على هذا الرَّسْمِ، الآنَ مثلًا لو رُسِمَتْ في القرآنِ ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ ولكن أنت تقولُ: إن هذه ليست كلامًا، ولكنها مخلوقةٌ لن تفيدَ الأمرَ، وكذلك يُقالُ في الأخبارِ، الأخبارُ تأتيك آيةً طويلةً كُلُّهَا في خبرِ ما، إذا قلَت: إن القرآنَ مخلوقٌ؛ صارت مُجَرَّدَ نقشٍ فقط ليس كلامًا؛ ولذلك قال ابنُ القَيِّمِ (^١) ﵀: إنَّ القولَ بأن القرآنَ مخلوقٌ مُبْطِلٌ للشريعةِ؛ لأنَّه لا يكونُ فيه أمرٌ ولا نهيٌ، إنما فيه أشكالٌ خُلِقَتْ على هذا.
فقوله تعالى: ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ أنتم الآن إذا شاهدْتُم ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ تَجِدُون أنها شيءٌ يختلفُ بعضُهُ عن بعضٍ ﴿أَقِيمُوا﴾ لها شكلٌ و﴿الصَّلَاةَ﴾ لها شكلٌ، فإذا قُلْنَا: إن هذه أشياءُ خَلَقَهَا اللهُ على هذا الشكلِ لم يكنْ أمرًا ولا نَهْيًا.
(^١) انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (٢/ ٢٣٣).
1 / 62