تفسير العثيمين: الشورى
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
عاقَبَه -؛ العرشُ منه أمْ قَبْل هذا! .
فانظرْ - سبحانَ اللهِ! - فِطرة؛ لأنَّه خَلَقَ ثم استوى، إذن: فالفطرةُ تدلُّ عليه.
فإن هذه المسألةَ فطريَّةٌ، كالإنسانِ مفطورٌ - لولا أن الشياطينَ اجتالته - على علوِّ اللهِ تعالى بذاتِهِ فوقَ كلِّ شيءٍ.
فإذن علوُّ اللهِ ﷾ دلَّ عَلَيْهِ الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والعقلُ والفطرةُ.
القولُ الثاني في هذه المسألةِ: أن اللهَ تعالى لا يُوصَفُ بالعلوِّ إطلاقًا. اللهُ في كلِّ مكانٍ، ثم شَبَّهوا بقولِهِ تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤] ﴿أَيْنَ مَا﴾ هذه ظرفُ مكانٍ. أي: في أيِّ مكانٍ كُنْتُمْ فاللهُ معكم. قال: اللهُ معك في كلِّ مكانٍ. إذا كنتَ في المسجِدِ يكونُ اللهُ في المسجِدِ، والمرحاضُ كذلك، والسوقُ كذلك، والطائرةُ أيضًا، فهل هذا يقولُه عاقلٌ؟ ويلزمُ من هذا القولِ:
أولًا: وصفُ اللهِ بما لا يليقُ أن يكونَ اللهُ في المراحيضِ والحمَّاماتِ والأماكنِ القَذِرَةِ والعاليةِ والسافلةِ.
ثانيًا: يلزمُ أحدُ أَمْرَيْنِ إما تَجَزُّؤُ اللهِ، وإما تَعَدُّدُ اللهِ، إن قالوا: بالتعددِ صِحْنَا بهم صيحةً تتقطعُ منها قلوبُهُم، نقولُ لهم: كَفَرْتُمْ وصرْتُم أَعْظَمَ من النصارى الذين قالوا: ﴿قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: ٧٣]، وأنتم تقولون: ملايينُ الملايينِ. وإن قالوا: يَتَجَزَّأُ، قلنا: الآن أَبْطَلْتُمْ قولَكم إذا كان يتجزَّأُ وكان مثلًا جزءٌ منه مع فلانٍ وجزءٌ مع فلانٍ، لم يَصِرْ مع فلانٍ وهو يقولُ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ ولم يَقُلْ: جزءٌ منه معكم.
فأنتم الآن خُذِلْتُمْ - والحمدُ للهِ - وهذا واللهِ لا أظنُّ قدمَ مؤمنٍ باللهِ تَثْبُتُ
1 / 174