تفسير العثيمين: الشورى
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٧ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
إلى الذين من قبلِك، اللهُ فاعلُ الإيحاءِ] ﴿كَذَلِكَ﴾ تأتي في القرآنِ كثيرًا، وإعرابُها في جميعِ المواطنِ إلا يسيرًا أن تقول: الكافُ بمعنى (مثل) منصوبةٌ على أنها مفعولٌ مطلقٌ عاملُها ما يأتي بَعْدَهَا. حوّل الكافَ إلى مثلٍ تقولُ: مِثْلَ ذلك، والعاملُ فيها ﴿يُوحِي﴾ أي: يوحي إليك مثلَ ذلك الإيحاءِ اللهُ العزيزُ الحكيمُ.
وقولُهُ: ﴿كَذَلِكَ﴾ (ذلك) المشارُ إليه الوحيُ النازلُ على الرَّسُولِ ﷺ يوحي إليك: الوحيُ في اللغةِ الإعلامُ بسرعةٍ وخفاءٍ، ويُطْلَقُ على الرمزِ ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١]، ويُطْلَقُ على الإلهامِ؛ كما في قولِهِ: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨]، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: ٧].
أمَّا في الإصطلاخ: فالوحيُ إعلامُ اللهِ تعالى بالشرعِ لأنبيائِهِ ورسُلِه.
وقولُهُ: ﴿وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك﴾ الواوُ حرفُ عطْفٍ ﴿وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ معطوفةٌ على ﴿إِلَيْكَ﴾ وإذا كانتْ معطوفةً على ﴿إِلَيْكَ﴾ كان تقديرُ الفعلِ: ويوحي إلى الذين من قَبْلِك. لكنْ لاحظوا أنَّ المُفسِّر ﵀ صَرَفَهَا فقال: [وأوحى إلى الذين من قَبْلِك]، فَقَدَّرَ فعلًا ماضيًا، مع أنها معطوفةٌ على معمولِ فعلٍ مضارعٍ؛ لأنَّ إيحاءَ اللهِ إلى رسولِهِ محمَّدٍ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم - مستمرٌّ، وإيحاؤه إلى من سَبَقَه ماضٍ منتهٍ؛ فلهذا قَدَّرَ المُفسِّر فعلًا ماضيًا.
ولكننا نقولُ: الأصلُ عدمُ التقديرِ؛ لأنَّ القرآنَ كاملٌ لا يحتاجُ إلى تقديرٍ إلا ما دعتِ الضَّرُورةُ إليه، ولا ضرورةَ هنا، ونقولُ: كذلك يوحي إليك ويوحي إلى الذين من قَبْلِك، ويكونُ ذِكْرُ الإيحاءِ لمن سَبَقَنَا من بابِ ذِكْرِ صورةِ الحالِ، فإنه ﷾ حين وحْيِهِ إلى من سبق، و﴿يُوحِي﴾ فعلٌ مضارعٌ، فيكونُ هذا على حكايةِ الحالِ.
1 / 15