تفسير العثيمين: النمل
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
والدَّلِيل عَلَى ذلك أَنَّهُ لو كَانَ المُراد بالتبديل ظاهر معناه: فما صح أن يعبر بِقَوْلِهِ: ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾، لو كَانَ كذلك لقال: بدَّل حسنًا بسوء، وما قَالَ: ﴿بَعْدَ﴾، فلما قَالَ: ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾ عُلِمَ أن بَدَّل هنا بمعنى استبدلَ، واستبدل بمعنى أخذ، قَالَ تَعَالَى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٦١]، وأخذ مثلَما قَالَ المُفَسِّر بمعنى: أتى.
والمَعْنى من الآيَة الكَريمَة أنَّ مَنْ أتى حُسنًا بَعْد سوءٍ فإن هَذَا الحسنَ ينفي السوءَ، ولهَذَا قَالَ: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يَعْنِي: أغفِر له.
جملة ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ إِذَا قَالَ قَائِلٌ: ما مُطابقتها للشرطِ؟ لِأَنَّ قوله: ﴿مَنْ ظَلَمَ﴾ إعرابه: (من) اسْم شرط جازِم وليست اسمًا موصولًا مستثنى، لِأَنَّ الاستثناء هنا منقطع، و﴿ظَلَمَ﴾ فعل الشرط، وجملة ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ جواب الشرط.
أقول: لَوْ قَالَ قَائِل: ما وجه ارتباط الجوابِ بالشرطِ؟
فالجواب: أنه لما ذكر الله ﷾ هذين الاسمين فِي قوله تَعَالَى: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فَإِنَّهُ يريد مُقتضاهما، فمقتضى المغفرةِ أن يَغْفِرَ لهَذَا الَّذِي ظلم ثُمَّ بدَّل حسنًا بَعْد سوءٍ، ومُقتضى الرَّحْمَةِ أيضًا أن يرحمَه.
ونظير هَذَا قوله تَعَالَى فِي المحاربين: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٤]، يعني يَسْقُط عنهم الحدُّ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقتضى المغفرة والرَّحْمَة. فهنا مقتضى المغفرةِ والرَّحْمَةِ أنَّ مَن ﴿بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ فإن الله ﵎ يغفر له ويرحمه.
وهل يشمل الرُّسُل وغير الرُّسُل؟
1 / 73