تفسير العثيمين: العنكبوت

محمد بن صالح العثيمين ت. 1421 هجري
63

تفسير العثيمين: العنكبوت

الناشر

مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٦ هـ

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

تصانيف

وأنْجاهُ اللَّه ﷾ منه حينَ قالَ له: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ [الصافات: ١٠٤ - ١٠٦]، إلى آخرِ الآياتِ، وسُمِّي خَلِيلًا واتَّخَذَهُ اللَّه خَلِيلًا بسببِ هذا الأمْرِ، حيثُ قدَّمَ محبَّةَ اللَّه تعالى على أحبِّ شيءٍ إليه، وبعضُ النَّاسِ الجهالِ -في الواقع- يَصفُونَ النَّبِيَّ ﷺ بأنه حبيبُ اللَّه وأن إبراهيمَ خليلُ اللَّه، وهذا خطأ، فإن مُحَمَّدًا ﷺ خليلُ اللَّهِ أيضًا، كما ثَبَتَ ذلك عَنْهُ (^١)، والذي يقولُ: إن مُحَمَّدًا حبيبٌ وإبراهيمُ خليلٌ قد تَنَقَّصَ النَّبِيَّ ﷺ؛ لأن دَرجَةَ المحبَّةِ أدْنَى مِنْ درجةِ الخُلَّةِ. وقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ (إذ): ظرف في موضعِ نَصْبٍ على الحالِ، أي: حالَ كونِهِ قائلًا لقومِهِ، والقومُ هُم الجماعَةِ الذين يَنتسِبُ إليهم الإنسان بنَسَبٍ أو هَدَفٍ، كل من ينْتَسِبُ إليه الإنسان بنَسبٍ أو هدفٍ فهم قومُهُ: وذلك بأن تكونَ دَعواهم واحدةٌ وطَرِيقهم واحدِةٌ، والمراد بقومه هنا: مَن ينْتَسِبُ إليهم بقرابَةٍ. قَال المُفَسِّر ﵀: [﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ﴾: خَافُوا عِقابَهُ]: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أصلُ العِبادَةِ مأخوذٌ مِنَ الذُّلِّ، ومنه قولهم: طريقٌ مُعَبَّدٌ، أي: مُذَلَّلٌ؛ لأن العبدَ يَذِلُّ لمَعبُودِهِ، فالعبادةُ إذن: التَّذَلُّل للَّه ﷾ بفعلِ أوامِرِهِ واجتنابِ نَواهِيهِ، وقد حدَّها شيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمية ﵀ بأنها: "اسمٌ جامعٌ لكُلَّ ما يحبُّهُ اللَّهُ ويرْضاهُ مِنَ الأقوالِ والأعْمالِ الظَّاهِرَةِ والباطِنَةِ" (^٢)، وهذا حد لها في الواقع باعتبارِ مَيدَان العبادةِ، أما أصْلُهَا فإنها من الذُلِّ؛ لأن مقتضاهَا في اللُّغَةِ أن يتَذَلَّل الإنسانُ للَّه ﷾ بطاعَتِهِ، فِعْلًا للأوامِرِ وتَركًا للنَّواهِي.

(^١) أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور. . .، رقم (٥٣٢). (^٢) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٤٩).

1 / 67