تفسير العثيمين: الأحزاب
الناشر
مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٦ هـ
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
٢ - وجعَل كَوني، بمَعنى: ما خَلَق.
مِثال الجَعْل الشرعيِّ: قوله ﷾: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣]، هذا جَعْل شَرعيٌّ، والدليلُ أنه كونًا واقِعٌ، لكنه شرعًا لم يَجعَل ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ﴾ [المائدة: ١٠٣].
وأمَّا الجعْل الكَوْنيُّ فهو كثير، مثل قوله ﷾: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء: ٦]، ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ: ١٠ - ١١].
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ﴾ من الجَعْل الكونيِّ، وأكَّدَ اللَّه ﷾ هذا النفيَ بحَرْف الجَرِّ الزائِد؛ لأن الحروفَ الزوائد من أدوات التوكيد؛ إِذَنْ: محُالٌ أن يَكون في الإنسان الواحِد قَلْبان، ولكن هل هذه الجُمْلةُ مُرادةٌ لذاتها أو مُرادة لغيرها؟
يَرَى المُفَسِّر ﵀ وجماعة من عُلَماء التفسير أنها مُرادةٌ لذاتها، وأنها نَفيٌ لأَمْر قدِ ادُّعيَ؛ ولهذا قال رَدًّا على مَن قال مِن الكفار: إن له قَلْبين يَعقِل بكُلِّ منهما؛ أفضَل من عَقْل محُمَّد ﷺ؛ هذا ما ذهَبَ إليه جماعة من أهل العِلْم.
يَعني: أن هذا نَفيٌ لأَمْر قدِ ادُّعيَ وهو رجُل من الكُفَّار يَقول: إن له قَلْبين، وإذا كان له قَلْبان كان له عَقْلان، وإذا كان له عَقْلان كان أَفضَلَ من النبيِّ ﷺ؛ لأنه ما له إلَّا قَلْب واحِد.
وذهَبَ بعض المُفسِّرين وعلى رَأْسهم الزُّهريُّ (^١) ﵀ إلى أن هذه الجُملةَ ليسَت مَقصودةً لذاتها؛ لأنها أمرٌ مَعلوم؛ لأنه ليس لإنسان قَلْبان، لكنها تَوْطِئة وتمَهيد
_________
(^١) أخرجه عبد الرزاق في التفسير (٣/ ٣٠)، ومن طريقه الطبري في التفسير (١٩/ ٩).
1 / 34