218

تفسير الشعراوي

تصانيف

وهو الذي جعل لكم اليل لباسا والنوم سباتا..

[الفرقان: 47]. ويعلم سبحانه أزلا أنه لا يمكن أن يكون الليل - أي وقت الراحة - سباتا لكل الناس، بل لابد من أناس يقومون بأمور تقتضي اليقظة بالليل، ولهؤلاء يقول سبحانه:

ومن آياته منامكم باليل والنهار..

[الروم: 23]. إنه يعطي فرصة لهؤلاء الذين تظل عيونهم ساهرة طوال الليل ليستريحوا بالنهار. إذن، فمن عظمة الحق أنه جعل الزمان خلفة، فلو كان الليل سرمدا والنهار سرمدا لفسدت الحياة، ولذلك نجد أن الحق أقسم بقوله:

والضحى * واليل إذا سجى

[الضحى: 1-2]. فالضحى محل الحركة والكدح، والليل محل السكون، ولابد أن يوجد الاثنان معا. والحق سبحانه يقول: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار والفلك التي تجري في البحر } [البقرة: 164] وكلمة " فلك " يستوي فيها المفرد والجمع، كقوله عن سفينة نوح:

واصنع الفلك بأعيننا

[هود: 37]. يعني يصنع سفينة واحدة أما الفلك التي تجري فهي كل الفلك، وكيف يكون جريان الفلك في الماء آية؟. إن الإنسان يدرك أن الماء لو لم يكن على هذه السيولة، لما استطاعت المراكب أو الفلك الإبحار فوقه، بل لابد أن يكون الماء سائلا حتى تستطيع أن تجري فوقها الفلك، وقبل اختراع آلات البخار كانت هذه الفلك تجري في البحر بقوة الرياح، لماذا؟. لأن المائية تنقسم قسمين: * مائية أنهار. * ومائية بحار. ومياه الأنهار تجري دائما من أعلى إلى أسفل ناحية المصب، ولذلك فمن المعقول أن نسلم جريان السفينة فيها إلى مجرى الماء، ولكن إذا كنا نريد أن نسيرها عكس جريان الماء فلا بد من الريح ليساعدنا على ذلك، ونحن نأخذ كلمة الريح على أنها الهواء. ولكن الريح هي القوة لأن الله سبحانه يقول:

ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم..

[الأنفال: 46]. يعني قوتكم، أي أن النزاع إنما ينتج عنه تبديد القوة، وكانت الريح قوة ظاهرة، وعندما توصل الإنسان إلى اختراع آلة البخار وتم تشغيل السفن به، استغنى الإنسان عن تشغيل السفن بالريح. وهكذا نعرف أن كلمة " الريح " تؤخذ أيضا على أنها مطلق القوة، وتؤخذ ثالثا على معنى الرائحة. والقرآن يوضح لنا ذلك، فعند استخدام معنى الريح كمطلق القوة نجد القرآن يقول:

صفحة غير معروفة