[البقرة: 163]، لأنه ليس من المعقول أن يخلق غير الله كل ذلك الخلق ثم يسكت عنه!، فضلا عن أن أحدا لم يدع أنه خلقها، وما دام لم يدع أحد ذلك، وأنت أيها الإنسان لم تخلقها، ورغم الكفر والعناد لم يدع أحد هذه القضية قط، إذن سيظل الملك لله وحده إلى أن يقول أحد: أنا لي الملك، ولم يوجد إلى الآن من يجرؤ على هذه الكلمة، وهذا دليل على أن الله واحد أحد. إن الحق سبحانه يقول:
لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون
[غافر: 57]. لماذا؟. لأن الناس من الأرض قد خلقوا، وبما في الأرض عاشوا، فالأصل هو أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس فالناس أبناء الأرض، واقتياتهم منها وبقاء حياتهم عليها. ومن المعقول أن الحق سبحانه قد خلق ما يخلق منه الإنسان قبل أن يخلق الإنسان، وحتى يعيش ذلك الإنسان أمده الله بجنس ما خلق منه. واذكروا جيدا أننا قلنا إن الله حين يعرض قضية الخلق للإنسان فهو سبحانه يعرضها عرضا فيه مناعة ضد أي قضية أخرى تناقضها. ولذلك يقول لنا: إن خلق السماوات والأرض وخلقكم هو أمر غيبي، وما دام أمرا غيبيا فلا رائي له ولا مشاهد له إلا الذي خلقه، فخذوا علم الخلق منه، ولذلك قال سبحانه وتعالى:
مآ أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا
[الكهف: 51]. فيجب أن نحذر هؤلاء المضللين الذين يحاولون إضلالنا بقضايا ليست حقيقية، فالحق قد علم أزلا بأنه سيوجد قوم يقولون: إن السماء والأرض خلقتا بطريقة كذا، والإنسان خلق بأسلوب كذا، وعندما نسمع هؤلاء نقول: هؤلاء هم المضللون، وقد نبهنا الله أزلا إليهم. إذن، فوجود المضللين هو عين الدليل على صدق الله، هؤلاء الذين قالوا: الأرض كانت جزءا من الشمس وانفصلت عنها، والإنسان أصله قرد، لأنه لو لم يوجد مضللون لقلنا: " أين يا رب ما قلت عنهم إنهم مضللون؟ ".
وحينما يعرض الله سبحانه وتعالى أنه خلقنا من الأرض وجعل اقتياتنا منها، فإن العلم يأتي - حتى من الكافرين بالله - ليؤيد هذه القضية. فحينما حللوا الإنسان وجدوه مكونا من ستة عشر عنصرا، وحللوا الطين الذي يأتي منه الزرع والخصوبة فوجدوه ستة عشر عنصرا أيضا تتطابق مع عناصر الإنسان، أولها الأكسجين وآخرها المنجنيز. وعلى ذلك فالحق عندما يقول: أنا خلقت الإنسان من طين. نقول له: صدقت يا رب فقد جعلت اقتياتنا مما يخرج من الطين. إذن فمسألة خلق السماوات والأرض يجب أن يبدأ منها التعجب، وأنت أيها الإنسان يجب أن تفطن إلى ما خلق لك لتستدل على خالقك، ولتؤمن ولتشهد أنه إله واحد، وإن حاول أحد إضلالك وقال لك: هناك إله آخر، فقل: لا إله إلا هو سبحانه. وحين يتكلم الحق عن الإنسان فهو سبحانه يتكلم عن مكين في الكون، وهذا المكين في الكون يحتاج إلى شيئين: إلى زمان، وإلى مكان. والمكان للإنسان هو الأرض التي يسير عليها والسماء التي تظلله، والزمان هو ما ينشأ من الليل وما ينشأ من النهار، ولذلك يريد الحق سبحانه أن يعطينا العبرة في اختلاف الليل والنهار. ومعنى اختلاف الليل والنهار أن كلا منهما يأتي خلف الآخر، النهار يأتي خلف الليل، والليل يأتي خلف النهار:
وهو الذي جعل اليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا
[الفرقان: 62]. فاختلاف الليل والنهار يعني ألا يكون النهار سرمدا أي دائما لا ينقطع، ولا يكون الليل كذلك سرمدا، ولذلك فإن هناك آيات أخرى يمتن فيها الحق علينا بهذه النعمة فيقول:
قل أرأيتم إن جعل الله عليكم اليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضيآء أفلا تسمعون * قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون
[القصص: 71-72]. إذن، فأنت أيها المتحرك في الكون ينطبق عليك ما ينطبق على كل متحرك، لابد لك من سكون بقدر حركتك، ولذلك انقسم الزمان إلى ليل تسكن فيه، وإلى نهار تتحرك فيه، ولذلك يقول الحق:
صفحة غير معروفة