تفسير القرآن العظيم - السخاوي

علم الدين السخاوي ت. 643 هجري
51

تفسير القرآن العظيم - السخاوي

محقق

د موسى علي موسى مسعود، د أشرف محمد بن عبد الله القصاص

الناشر

دار النشر للجامعات

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

تصانيف

يكون معجزا، وإنما المعجز عنده صرف الداعي عن الشروع في الإتيان بمثله، ويبطله قوله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨]. ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ (^١) [الطور: ٣٤]. ﴿قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ [يونس: ٣٨]. وقوله: ﴿وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ﴾ أي: من يشهد لكم بأن الذي أتيتم به يصلح للمعارضة. أو فادعوا من بحضرتكم من جلسائكم الفصحاء وخطبائكم البلغاء. وقوله: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ جملة معترضة بين الشرط والجزاء وهي إخبار بغيب، وجعل جزاء الشرط الأمر باتقاء النار، والتقدير: فإن لم تأتوا بسورة من مثله، وعجزتم أنتم ومن بحضرتكم - وجب الخلود في النار - فعليكم أن تتقوا النار باجتناب معارضة القرآن. المراد بالحجارة: حجارة الكبريت؛ لأنها تزيد النار التهابا ورائحة منكرة، وقيل: المراد الأصنام؛ لأنها تلقى في النار مع الكفار إرغاما لمن عبدها ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨ - ٩٩] (٤ /ب) ونار جهنم - أعاذنا الله منها - لشدة حرّها يتقد فيها ما لا يتقد في غيرها من الحجارة وأشباهها. والوقود والحطب، وأتى هاهنا ب ﴿الَّتِي﴾ وهي إنما يؤتى بها حيث تكون الصلة معلومة للمخاطب، كقولك: أكرم زيدا الذي أنقذك بالأمس من فتنة كذا. وقد علم ذلك بقوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارًا وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾ [التحريم: ٦] وهذه الآية دليل على أن النار مخلوقة، وقالت المعتزلة: لا فائدة من خلقها الآن وقوله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ يرد عليهم ظاهرا (^٢).

(^١) في الأصل: «قل فأتوا بحديث مثله إن كنتم صادقين» وليس بآية، وما أثبتناه من سورة الطور: الآية: ٣٤. (^٢) مسألة خلق الجنة والنار الآن من المسائل التي دار حولها خلاف بين متكلمي المسلمين، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن. ولم يزل أهل السنة على ذلك حتى نبغت نابغة من المعتزلة القدرية فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة، وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا. وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الفعال، ودخل التجهم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة، وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث؛ لأنها تصير معطلة مددا متطاولة، فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب - تعالى - وحرفوا النصوص عن مواضعها وضللوا وبدّعوا من خالف شريعتهم. وقد وردت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي تدل على بطلان هذا القول. -

1 / 60