44
قوله : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا } . قال الحسن : يعني موسى وعيسى ومحمدا حكموا بالرجم جميعا؛ يقول : يحكم بها النبيون المسلمون { للذين هادوا والربانيون والأحبار } يعني علماءهم الذين رفعوا اليهودي الزاني إلى النبي . { بما استحفظوا من كتاب الله } أي بعد أنبيائهم { وكانوا عليه شهداء } . قال بعضهم : الربانيون العباد ، والأحبار العلماء . { فلا تخشوا الناس } أي في إقامة الحدود على أهلها من كانوا { واخشون } أي في إقامتها { ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .
قال بعضهم : نزلت في اليهود في القتيل عمدا؛ كانوا أمروا فيه بالقود ، والآية الأخرى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } في النصارى؛ كانوا أمروا بالعفو في القتيل عمدا ، والآية الأخرى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } [ في الكفار كلهم ] . قال : كل هذه الآي في أهل الكتاب .
وقال جابر : سئل حذيفة بن اليمان عن هذه الآي الثلاث : قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون ) أي خاصة في أهل الكتاب من اليهود والنصارى أم هي عامة فيهم وفيمن أقر بالإسلام ودان به؟ فقال حذيفة : بخ بخ نعم الإخوة بنو إسرائيل إن كان لكم حلوها وعليهم مرها ، بل هي السنة في إثر السنة كالقذة تحذى على القذة . يعني أنها عامة لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ولأهل الإسلام؛ من لم يحكم منهم جميعا بما في كتابه وبما عهد إليه ربه وأمره به نبيه محمد A فهو كافر ظالم فاسق ، غير أن كفر أهل الكتاب في ذلك كفر جحود وهو شرك ، وكفر أهل الإقرار بالله والنبي كفر نفاق ، وهو ترك شكر النعمة ، وهو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق .
قال الحسن : ومن لم يحكم بما أنزل الله أي : من لم يتخذ ما أنزل الله دينا ويقر به فهو كافر ظالم فاسق .
قوله : { وكتبنا عليهم فيها } أي في التوراة { أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص } . وهذه الآية مفروضة على هذه الأمة . وكل ما ذكر الله في القرآن أنه أنزله في الكتب الأولى ثم لم ينسخه في القرآن فهو ثابت يعمل به ، لأنه في كتاب الله ولم ينسخه . وفي ذلك دليل على أن من لم يحكم من أهل القرآن بما أنزل الله فيه فهو كافر ظالم فاسق كما كان يكفر به من حكم من أهل الكتاب بغير ما أنزل الله في التوراة والإنجيل . ألا ترى أن علينا في كتابنا مثل ما عليهم في كتبهم من أن النفس بالنفس والعين بالعين .
صفحة ٣١٠