217

تفسير صدر المتألهين

تصانيف

وثانيها: الإنفاق على النفس والأهل ومن تجب عليه نفقته.

وثالثها: الإنفاق في الجهاد.

وأما الإنفاق المندوب، فهو ما سوى ما ذكرناه لقوله تعالى:

وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت

[المنافقون:10] وأراد به الصدقة، بدليل قوله تعالى:

فأصدق وأكن من الصالحين

[المنافقون:10]، فجميع هذه الإنفاقات داخلة تحت الآية، لأن كل ذلك سبب لاستحقاق المدح، فالأولى أن يراد به الإنفاق من جميع المعارف التي منحهم الله بها من النعم الظاهرة والباطنة، والمالية والعلمية، يؤيده قوله (صلى الله عليه وآله):

" إن علما لا يقال به، ككنز لا ينفق منه "

ولهذا المعنى ذكر بعض المحققين في تفسيره: ومما خصصناهم به من أنوار المعارف يفيضون.

واعلم أن الرزق كله من قبل الله لا من قبل غيره، لأنه من ضروريات بقاء الإنسان والحيوان. فهو مقدر بتقدير الله، مضمون بضمانه، والبرهان عليه من طريق العقل: أنه تعالى يعلم ذاته، وما توجبه ذاته على الترتيب الأقدم فالأقدم. وهكذا الى أدنى المراتب، فهو قد عقل جميع الموجودات من جهة عقله لذاته، لأن عقله لذاته علة لعقل ما يقتضيه ذاته وإن كان بالقصد الثاني، وكل ما يعقله لا بد وأن يوجده، لأن علمه علم فعلي لأجل كون علمه عين ذاته، فقد ترتب وجود جميع الموجودات عن علمه بذاته، وبما توجبه ذاته من المبدعات والكائنات، لأن الله تعالى علم وجود الكل من ذاته، فكما ان تعقله لذاته لا يجوز أن يتغير، فكذلك تعقله لكل ما يترتب عن ذاته.

صفحة غير معروفة