تفسير الأعقم

الأعقم ت. 850 هجري
216

تفسير الأعقم

تصانيف

[28.26-29]

{ قالت إحداهما يا ابت استأجره } لما رأت أمانته وقوته رغبت فيه قالت إحدى ابنتي الشيخ: يا أبت استأجره، قيل: هي التي تزوجها { إن خير من استأجرت القوي الأمين } { قال } الشيخ لموسى: { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين } ، قيل: الصغيرة، وقيل: الكبيرة صفراء والصغيرة صفيرا { على أن تأجرني } يعني على أن تكون أجيري { ثماني حجج } ، قيل: جعل مهر بنته هذا الذي عقد عليه، وقيل: بل زوجه بمهر واستأجره للرعاء ولم يجعل ذلك مهرا، ولكن شرط ذلك عليه { فإن أتممت عشرا } فمن عندك أي أنت متبرع به { وما أريد أن أشق عليك } أي أضيق { ستجدني إن شاء الله من الصالحين } ، قيل : من الموفين بالعهد فقال موسى (عليه السلام): { ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت } وفية العشر أو الثمان { فلا عدوان علي } ، قيل: لا حجة، وقيل: حتى أطالب بزيادة { والله على ما نقول وكيل } قيل: شهيد وحافظ { فلما قضى موسى الأجل } وهو عشر سنين، وروي أنه وقف عنده عشرين سنة واستأذنه في الغدو إلى مصر ليزور والدته وأخاه فأذن له ف { سار بأهله } ، وقيل: لما قضى العشر سار بأهله وعياله وماله فأخذ على طريق متوجها نحو الشام وامرأته في شهرها فسار في البرية غير عارف بالطريق وألجأه السير إلى جانب الطور الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق وضل الطريق وتفرقت ماشيته وأصابه المطر والبرد فبقي لا يدري أين يتوجه فبينما هو كذلك إذ رأى نارا فقال سبحانه: { آنس } أي رأى أبصر { من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا } أقيموا ها هنا فإني رأيت نارا { لعلي آتيكم منها بخبر } من الطريق أو أجد من يدلني عليها { أو جذوة } بل شعلة { من النار لعلكم تصطلون } أي تستدفئون بالنار فيذهب البرد الذي أصابكم.

[28.30-38]

{ فلما أتاها } يعني موسى النار قرب منها { نودي } { يا موسى } أي أتاه النداء من شاطئ الوادي قيل: من طريق الوادي الأيمن في البقعة المباركة، قيل: كانت مباركة لكثرة الأشجار والثمار والخير والنعم، وقيل: لأنها معدن الخير والرسالة، وقيل: مباركة في الدين والدنيا من الشجرة، يعني كان الكلام مسموعا من الشجرة وذلك معجزة لموسى كما خلق السح في الحجر في يد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معجزة له { أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين } ثم بين حال موسى لما أتى الطور فقال سبحانه: { وأن ألق عصاك } وهذا أمر بالإلقاء { فلما رآها تهتز } تحرك { كأنها جان } والجان الحية الصغيرة والثعبان الحية العظيمة قيل: انقلبت بإذن الله ثعبانا عظيما كأنها جان في سرعة حركتها { ولى مدبرا ولم يعقب } لم يرجع إلى ذلك الموضع الذي هرب منه فنودي أن { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين } وروي أن آدم (عليه السلام) هبط بالعصا من الجنة ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب ثم إلى موسى، وقيل: أخذها جبريل بعد موت آدم وكانت معه حتى لقى بها موسى ليلا، وقيل: أودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر بنته أن تأتيه بعصا فأتت بها فردها سبع مرات فلم يقع في يدها غيرها فدفعها إليه ثم ندم لأنها وديعة فتبعه فاختصما فيها ورضيا أن يحكم بينهما أول طالع فأتاهما الملك فقال: ألقياها فمن رفعها فهي له، فعالجها الشيخ فلم يطقها ورفعها موسى، وعن الحسن: ما كانت إلا عصا من الشجر، وروي أنها من الشجرة التي نودي منها { اسلك يدك في جيبك } ، قيل: كان عليه قميصا بلا كم { تخرج بيضاء من غير سوء } ، قيل: كانت كالقمر من غير برص { واضمم اليك جناحك } ، قيل: يدك، قيل: أمره أن يضم يده إلى صدره ليذهب ما ناله من الخوف، وقيل: هو استعارة فإن الطائر إذا خاف لم يلزم موضعه ولم يضم جناحه وإذا أمن ضم جناحه فجعله مثلا { فذانك برهانان } أي العصا واليد برهانان أي حجتان { إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين } { قال } موسى { رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون } { وأخي هارون } هو أفصح { مني لسانا } وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه { فأرسله معي ردءا يصدقني } يعني هارون على قوله، وقيل: يصدقني فرعون { إني أخاف أن يكذبون } { قال سنشد عضدك بأخيك } وهذا استعارة حسنة، والمراد نقويك به ونعينك { ونجعل لكما سلطانا } حجة بينه { فلا يصلون إليكما } أي لا يقدرون أن يصلوا إليكما { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } القادرون { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر } تمويه وتخييل { مفترى } مختلق، قوله تعالى: { وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } مثل عاد وثمود وغيرهم من استهزاء بالنبيين وقلدوا آبائهم ف { قال موسى } مجيبا لهم { ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده } وهو التوحيد والعدل، وقيل: الحق من الباطل { ومن تكون له عاقبة الدار } أي العقبى المحمودة { إنه لا يفلح الظالمون } أي لا يظفر بطلبه من ظلم الناس، وقيل: من ظلم نفسه، فلما رأى فرعون ما لم يكن عنده جواب أخذ في التلبيس، وقال: { يا أيها الملأ } أشراف قومه { ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين } قال جار الله: لما أمر فرعون هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء، وأمر بطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير، فشيدوه حتى بلغ ما لم يبلغه بنيان أحد من الخلق، وكان الباني لا يقدر أن يقوم على رأسه يبني، فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع: وقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل، ووقعت قطعة في البحر، وقطعة في المغرب، ولم يبق أحد من عماله إلا قد هلك، ويروى في هذه القصة أن فرعون لعنه الله ارتقى فوقه فرمى بنشابة نحو السماء، فأراد الله أن يفتنه فردت إليه وهي ملطخة بالدم، فقال: قد قتلت رب موسى، فعندها بعث الله جبريل لهدمه والله أعلم بصحته، وقوله: { وإني لأظنه من الكاذبين } ، قيل: إنما شك لما رأى المعجزات وقبل كان جاهلا بالصانع.

[28.39-44]

{ واستكبر هو وجنوده } أي تعظموا أن يقبلوا الحق { في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } { فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } في البحر فأغرقناهم فيه قيل: نيل مصر، وقيل: من وراء مصر { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } { وجعلناهم أئمة } أي قادة رؤساء { يدعون إلى النار } ، قيل: أنه يأمر الملائكة أن يقودوهم إلى النار وقومهم يتبعونهم فيصيرون في حكم القادة، وقيل: هو في الدنيا، ومعنى جعلناهم حكمنا أنهم رؤساء الضلالة لأنهم يدعون إلى النار، يعني الأفعال التي بها تستحق النار { ويوم القيامة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } إلى آخر الدهر وذلك قوله تعالى:

الا لعنة الله على الظالمين

[هود: 18]، وقيل: هو من ذكرهم من المؤمنين وغيرهم لعنهم { ويوم القيامة هم من المقبوحين } ، قيل: من المشهورين الخلقة بسواد الوجوه وزرق الأعين، وقيل: من المهلكين { ولقد آتينا موسى الكتاب } يعني التوراة { من بعد ما أهلكنا القرون الأولى } يعني جماعات من كان قبله من الكفار كقوم نوح وعاد وثمود بصائر قيل: هو صفة لهلاكهم يعني جعلنا هلاكهم عظة وبصيرة يستدل بها العاقل على قبح أفعالهم، وهذا دلالة لمن تبعه واقتدى به ورحمة لمن آمن به، وقيل: جعلنا فيه { وهدى ورحمة } أي بيانا لطريق رشدهم في الدنيا والآخرة { لعلهم يتذكرون } فيه { وما كنت بجانب الغربي } ، قيل: أراد جانب الوادي الغربي، وقيل: غربي الجبل وهو الموضع الذي كلم الله فيه موسى وأرسله إلى فرعون { إذ قضينا إلى موسى } الأمر فصلنا الأمر بما أمرناه به وقومه { وما كنت من الشاهدين } ، قيل: من الحاضرين هناك ولكن أوحينا إليك بذلك.

[28.45-55]

{ ولكنا أنشأنا قرونا } أي خلقنا وأحدثنا جماعات { فتطاول عليهم العمر } على آخرهم وهو القرآن الذي أنت فيهم، أي أمد انقطاع الوحي واندرست العلوم فوجب إرسالك اليهم فأرسلناك وكسبناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى، كأنه قال: وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحينا إليك بذلك، وقيل: خلقنا خلقا كثيرا وقلنا لهم صفتك ونعتك وأمرنا الأول بإبلاغ الثاني فأمدهم الزمان فنسوا عهد الله فيهم فلم يصدق الآخر الأول في نعتك وصفتك { وما كنت ثاويا } مقيما { في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا } يعني ما كنت مقيما في أهل مدين شاهدا بتلك الأحوال فلولا الوحي ما علمك ذلك { ولكنا كنا مرسلين } إياك فعرفت من أمر شعيب ما عرفت من موسى { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } أي ما حضرت الطور حين كلم موسى (عليه السلام) بحضرة السبعين { ولكن رحمة من ربك } يعني نعمة أنعمها عليك بأن بعثناك نبيا { لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك } وهم أهل مكة، وقيل: القرون الذي بعث إليهم { لعلهم يتذكرون } { ولولا أن تصيبهم مصيبة } عقوبة قيل: عذاب الدنيا والآخرة { بما قدمت أيديهم } من المعاصي { فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك } أي كنا نتبع الرسل { ونكون من المؤمنين } المصدقين { فلما جاءهم الحق من عندنا } ، قيل: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقرآن والإسلام { قالوا } الآية يعني كفار مكة قالوا ذلك، وقيل: مشركي العرب كفروا بالتوراة والقرآن، وقيل: هم الذين كانوا زمان موسى قالوا: كفرنا بما أتيت به { قل } يا محمد { فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما } يعني كتاب موسى ومحمد { إن كنتم صادقين } { فإن لم يستجيبوا لك } أي لم يجيبوا في ذلك ولم يأتوا بحجة { فاعلم إنما يتبعون أهواءهم } وهو تقليد السلف وما تهوى أنفسهم قوله تعالى: { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } أي من غير بيان وهداية { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } ، قيل: لا يهديهم إلى الجنة والثواب، وقيل: لا يلطف { ولقد وصلنا لهم القول } ، أي بينا، وقيل: وصلنا خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا، وقيل: وصلنا الأمر والنهي والوعد والوعيد والمواعظ أي كررنا، وقيل: وصلنا لهم القول بما أهلكنا من القرون وأخبرناهم بأنا أهلكنا قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم { لعلهم يتذكرون } عاقبة ما نزل بهم { الذين آتيناهم الكتاب } نزلت في مؤمني أهل الكتاب، وقيل: في أربعين من أهل الانجيل اثنان وثلاثون جاؤوا مع جعفر من الحبشة وثمانية من الشام، وقد تقدم ذكرهم في سورة المائدة في قوله:

صفحة غير معروفة