المعنى: { طسم } ، قيل: اسم السورة، وقيل: حرف [اسم] من أسماء الله وقد تقدم الكلام فيه { تلك } إشارة إلى السورة، ومعناه هذه { آيات } القرآن التي وعدتك، وقيل: هذا القرآن هو { الكتاب المبين } { نتلو عليك } أي نقرأ عليك { من نبأ موسى } أي من خبر موسى { وفرعون بالحق } أي بالصدق { لقوم يؤمنون } أي يصدقون بالحق { إن فرعون علا في الأرض } أي تكبر وتجبر { وجعل أهلها شيعا } فرقا وأصنافا، قيل: جعل بني إسرائيل فرقا في أعمالهم، وقيل: في الخدمة والتسخير { يستضعف طائفة منهم } وهم بنو إسرائيل { يذبح أبناءهم } لأنه أخبر أنه يولد فيهم من يكون زوال ملكه على يديه { ويستحيي نساءهم } أي يبقيهن أحياء { إنه كان من المفسدين } { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } وهم بنو إسرائيل { ونجعلهم أئمة } قادة، وقيل: دعاة إلى الخير { ونجعلهم الوارثين } للنبوة والحكم { ونمكن لهم في الأرض } يعني أرض مصر والشام بعد هلاك قوم فرعون { ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يدي مولود منهم.
[28.7-11]
{ وأوحينا إلى أم موسى } ، قيل: ألقينا إليها وليس نبوة، وقيل: كان رؤيا منام أن أرضعيه ما دمت آمنة { فإذا خفت عليه فالقيه في اليم } وهو النيل { ولا تخافي } عليه الغرق { ولا تحزني } عليه الضيعة، وقيل: على فراقه { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } وروي أنه ذبح في طلب موسى تسعون ألف ولد، وروي أنها حين ضربها الطلق وكانت بعض العقايل الموكلات لأبناء إسرائيل مصافية لها فقالت لها: لينفعني حبك اليوم فعالجتها، فلما وقع على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها ثم قالت لها: ما جئتك إلا قبل مولودك واخبر فرعون، ولكني وجدت لابنك حبا ما وجدت مثله فاحفظيه، فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور ولم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها، فطلبوا فلم يلقو شيئا، فخرجوا وهي لا تدري مكانه، فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما، فلما ألح فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها { فألقيه } ، وروي أنها أرضعته ثلاثة أشهر في تابوت من بردى مغطى بالقار من داخله، وقوله: { فالتقطه آل فرعون } أي أخذه من غير طلب، وذلك أنه جيء به إلى موضع فيه فرعون وامرأته وألقى الله تعالى عليه محبة في قلبها فهم فرعون بقتله فقالت آسية: { لا تقتلوه عسى أن ينفعنا } الآية { ليكون لهم عدوا وحزنا } اللام لام العاقبة، أي أخذه ليكون قرة عين فكان لهم عدوا وحزنا، قال الشاعر:
لدوا للموت وابنو للخراب
....................
{ إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطيئن } { وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه } فإنه أتى من أرض أخرى وليس من بني إسرائيل، وكانوا القوم أشاروا عليه بقتله، وقوله: { عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } الآية لأنه لم يكن له ولد وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } والمعنى أنها حين سمعت وقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش ونحوه، وقيل: خاليا من ذكر كل شيء إلا من ذكر موسى { إن كادت لتبدي به } أي قريب من أن تظهر، واختلفوا ما الذي تبدي به على قولين: أولهما أنه كناية عن الوحي إن كادت لتبدي بالوحي وما كان من أمره وأمرها { لولا أن ربطنا على قلبها } بإلهام الصبر كما تربط على الشيء، يعني شددنا عليه بالالطاف { لتكون من المؤمنين } من المصدقين بوعد الله وهو قوله: { إنا رادوه إليك } ، ثم ذكر تعالى تدبيره في أمر موسى وتسخير فرعون حين تولى تربيته حتى رده على أمه فقال سبحانه: { وقالت لأخته قصيه } يعني أخت موسى واسمها مريم، يعني اتبعي أثر موسى لنعلم خبره { فبصرت } في الكلام اختصار أي ذهبت فوجدت آل فرعون أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى { فبصرت به } وهذا من إعجاز القرآن الدال على الكثير { عن جنب } أي نظرت إليه مذعورة متخافية وهم لا يحسنون أنها اخته.
[28.12-19]
{ وحرمنا عليه المراضع } أي منعناه، وقيل: كره اليه ألبان النسوان، والمراضع جمع مرضع وهي المرأة التي ترضع { من قبل } قصصها أثره، فلما رأت أخت موسى ذلك { قالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم } ، قوله تعالى: { وهم له ناصحون } يعني لموسى، قال هامان: إنها لتعرفه وتعرف أهله، فقالت: إنما أردت وهم للملك ناصحون، والنصح: إخلاص العمل من شائب الفساد، فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون وهو يبكي، فطلب الرضاع، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال فرعون: ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك؟ قالت: امرأة طيبة الريح وطيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني، فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز الله وعده في الرد { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون } من تحقيق ذلك الوعد، ثم بين تعالى حديث موسى بعدما شب سنة خروجه من مصر فقال سبحانه: { ولما بلغ أشده } ، قيل: كمال قوته في البدن والعقل، وقيل: الأشد ثلاثون سنة، وقيل: أربعون { واستوى آتيناه حكما وعلما } أعطيناه حكما وعلما قيل: النبوة والعلم، وقيل: فهما وعقلا، وقيل: هو علوم الشرائع { وكذلك نجزي المحسنين } { ودخل المدينة } يعني موسى دخل مدينة مصر، وقيل: أرض مصر { على حين غفلة من أهلها } ، قيل: وقت القائلة، وقيل: يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلعبهم، وقيل: بين المغرب والعشاء { فوجد فيها رجلين يقتتلان } ، قيل: كانت خصومتهما الدين وقيل: في أمر الدنيا { هذا من شيعته } ممن شايعه على دينه { وهذا من عدوه } كان كافرا { فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه } يعني الإسرائيلي استغاث موسى على القبطي لأنه علم منزلته من بني إسرائيل ولم يعلم الناس إلا من قبل الرضاعة فقال موسى للقبطي: خلي سبيله، فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبويك، فتنازعا { فوكزه موسى } أي دفع في صدره بجميع كفه، وقيل: الوكز بأطراف الأصابع { فقضى عليه } وروي أن موسى لم يتعمد لقتله ولكن قصد لتخليص المؤمن من يد الكافر، وروي أنه لم يبح قتل الكافر حينئذ { قال هذا من عمل الشيطان } أي من اغوائه ووسوسته { إنه عدو } لبني آدم { مضل } الكافر بوسوسته { مبين } ظاهر العداوة { قال رب إني ظلمت نفسي } ، قيل: كان ذلك صغيرة لزمه التوبة، وقيل: ظلمت نفسي في هذا القتل فإنهم يقتلوني { فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } { قال رب بما أنعمت علي } النعم دينا ودنيا { فلن أكون ظهيرا للمجرمين } أي معينا { فأصبح في المدينة } في اليوم الثاني { خائفا } من قتل القبطي { يترقب } ينتظر الأخبار { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } وذلك أنه لما فشى أمر القتل قيل لفرعون: إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فقال: أتعرفون قاتله؟ ومن شهد عليه؟ وأمرهم أن يطلبوه، فصاح بموسى ف { قال له موسى إنك لغوي مبين } ظاهر الغواية ولم يرد أنه غوي في الدين وإنما أراد من خاصم آل فرعون مع كفرهم فإنه غوي، وقيل: بل قال للقبطي إنك لغوي مبين بطلبك وسخرك إياه ثم أراد موسى (عليه السلام) نصر الإسرائيلي فقال سبحانه: { فلما أراد أن يبطش } أن يأخذ بشدة { بالذي هو عدو لهما } يعني القبطي فقال: { أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ان تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض } بالقتل والظلم { وما تريد أن تكون من المصلحين } فانطلق إلى فرعون وأخبره به وأمر فرعون بقتل موسى.
[28.20-25]
قوله تعالى: { وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى } ، قيل: كان من شيعة موسى فسلك طريقا قريبا فسبقهم إلى موسى وأخبره بالخبر وأنذره، وقيل: هو من آل فرعون، وقيل: اسمه شمعون، وقيل: كان ابن عم فرعون فأقبل يسعى سريعا لينذره ف { قال يا موسى إن الملأ } أي الأشراف من قوم فرعون { يأتمرون بك } يتشاورون في قتلك { فاخرج } من أرض مصر { إني لك من الناصحين } في هذا، ثم بين تعالى خروجه من مصر إلى مدين فقال سبحانه: { فخرج } موسى من المدينة { خائفا } من قوم فرعون أن يأخذوه ويقتلوه بالقبطي { يترقب } ينتظر { قال رب نجني من القوم الظالمين } يعني من فرعون وقومه { ولما توجه تلقاء مدين } أي أقبل بوجهه على ناحية مدين قاصدا لها، وقيل: لما خرج من مصر لم يدر أين يذهب فأخذ في طريق عنده أنها توديه إلى مدين وهي مدينة شعيب { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } يعني وسط الطريق، وروي أن بين مصر ومدين مسيرة ثمان، وكان موسى (عليه السلام) لا يعرف إليها الطريق قيل: لما دعا الله سبحانه دله على الطريق حتى ورد ماء مدين، وقيل: جاءه ملك فانطلق به إلى مدين { ولما ورد ماء مدين } بئرا كانت { وجد عليها أمة من الناس يسقون } أي جماعة يسقون مواشيهم { ووجد من دونهم امرأتين تذودان } الناس عن مواشيهما، وقيل: يكفان الغنم أن تختلط بأغنام الناس، وقيل: يمنعان غنمهما عن الماء حتى يصدر الرعاء ويحلو لهما البئر ثم يسقيان وذلك لضعفهما، قال الحاكم: وهو الوجه { قال } لهما موسى { ما خطبكما } أي ما شأنكما لا تسقيان مع الناس؟ { قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير } أي هو لا يقدر أن يتولى ذلك بنفسه فإنا لا نختلط بالرجال، وقيل: لا نطيق السقي، فلما سمع موسى كلامهما رحمهما وسقى لهما غنمهما، وروي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقلبه إلا سبعة رجال، وقيل: عشرة: وقيل: أربعون، وقيل: مائة فقلبه وحده، وروي أنه سألهم دلو من الماء فأعطوه وقالوا: استق بها وكان لا ينزعها إلا أربعون فاستقى بها وصبها في الحوض ودعا بالبركة، وروي أنه دفعهم عن الماء حتى سقى لهما وإنما فعل هذا رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف مع ما كان به من النصب والجزع { ثم تولى إلى الظل } ، قيل: ظل شجرة { فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } ، قيل: أدركه جوع شديد، ويحتمل أن يريد أني محتاج إلى الدنيا لأجل ما أنزلت إلي من خير الدين وهو النجاة من الظالمين، وروي أنهما لما رجعا إلى أبيهما قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا وسقى لنا، قال لإحداهما: إذهبي فادعيه لي، فتبعها موسى وقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، وقوله تعالى: { تمشي على استحياء } من موسى، وروي أنها كانت تمشي عادلة عن الطريق { فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف } سلطان فرعون في أرضنا { نجوت من القوم الظالمين } وقد روي أنها لما قالت: { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } كره ذلك ولما قدم اليه الطعام امتنع وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا ولا نأخذ على المعروف ثمنا، حتى قال شعيب: هذا عادتنا مع كل من نزل بنا.
صفحة غير معروفة