231

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

تصانيف

التفسير

[250]

قوله تعالى : { ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبرا } ؛ معناها : لما خرجوا واصطفوا لمحاربة جالوت وجنوده ، قالوا : ربنا أصبب علينا الصبر صبا ، { وثبت أقدامنا } ؛ في أماكنها في الحرب بتقوية قلوبنا ، { وانصرنا على القوم الكافرين } ؛ أي أعنا على قوم جالوت بإلقاء الرعب في قلوبهم ، { فهزموهم بإذن الله } ؛ في هذا الحال ؛ لأن ذكر الهزيمة بعد سؤال النصر يدل على إجابة الدعاء ، كأن الله تعالى قال : فاستجاب الله دعاءهم فهزموهم.

قوله تعالى : { وقتل داود جالوت } ؛ قال المفسرون : لما عبر طالوت ومن معه النهر ، كان من جملة من عبر معهم أبو داود عليه السلام واسمه إيشا في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغرهم ، ثم إن جالوت أرسل إلى طالوت : أن أرسل إلي من يقابلني ، فإن قتلني فلكم ملكي ، وإن قتلته في ملككم. فشق ذلك على طالوت ونادى في عسكره : من قتل منك جالوت زوجته ابنتي وأعطيته نصف مملكتي ، فلم يجب أحد منهم وهاب الناس جالوت ، فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله ، فدعا الله تعالى ، فأتى بقرن فيه دهن فقيل له : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذي يضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن ، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم ، فلم يوافق ذلك منهم أحد ، فأوحى الله إلى نبيهم أن في أولاد إيشا من يقتل جالوت ، فدعا طالوت إيشا وقال له : اعرض علي أولادك ، فأخرج له اثنا عشر رجلا أمثال الاسطوانات ، وفيهم رجل فارع عليهم ، فجعل يعرضهم على القرن ، فلم ير شيئا ، فلم يزل يردد القرن على ذلك الجسيم حتى أوحى إليه أنا لا نأخذ الرجال على قدر صورهم ، بل على إصلاح قلوبهم ، فقل لإيشا : هل لك ولد غيرهم ؟ فقال : لا ، فقال : رب إنه زعم أنه لا ولد له غيرهم ، فقال : كذب. فقال له : إن ربك كذبك ، فقال : صدق الله ، إن لي ابنا صغيرا يقال له داود استحيت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ، فجعلته في الغنم يرعى وهو في شعب كذا ، وكان داود عليه السلام قصيرا مشقا أزرقا ، فخرج طالوت في طلبه ، فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها الغنم ، فوجده يحمل شاتين يجوز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء ، فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه ، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم. فدعاه فوضع القرن على رأسه ؛ ففاض ، قال : هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك بابنتي وأعطيك نصف مملكتي ، قال : نعم ، قال له : فهل جربت نفسك في شيء ، قال : معم ؛ وقع الذئب في غنمي فضربته ثم أخذت برأسه وجسده وقطعت رأسه من جسده ، فقال له طالوت : إن الذئب ضعيف ، فهل جربت نفسك في غيره ، قال : نعم ؛ دخل الأسد في غنمي ؛ فضربته وأخذت بلحييه فشققتهما.

صفحة ٢٣١