ومن قال هذا فهو هازل يستخف بالأعجوبة التي أمام عينيه لمجرد كونها أمام عينيه، كأنه يريد أن تكون الأعجوبة مما لا يراه ولا يراه إنسان.
وإن أجهل الجهلاء ليتعلم من القرآن الكريم فهما أعمق من فهم «لابلاس»، وموقفا أمام مشاهد الكون أصدق من موقفه المحدود؛ فإنه يتعلم من كتابه أن المعجزة قائمة حواليه حيثما جال بعينيه، ويؤمن ...
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون [سورة البقرة: 164].
فكل ما نراه ونكرر رؤيته فهو معجزة تدعو إلى العجب ...
ولكنها المعجزة التي يعمل العقل لفهمها، وليست هي المعجزة التي تبطل عمل العقول.
والإسلام دين المعجزات التي يراها العقل حيثما نظر، وليس بدين المعجزات التي تكف العقل عن الرؤية، وتضطره بالإفحام القاهر إلى التسليم.
وعلينا أن ندرك أن المعجزة معجزتان كي نطلب المعجزة التي ينبغي أن تطلب، ونتورع عن طلب المعجزة التي لا تجدي أحدا من العقلاء ...
فالمعجزة التي تتجه إلى العقل موجودة يلتقي بها من يريدها حيثما التفت إليها، ولكنها غير المعجزة التي تقنع من لا يقتنع بتفكيره، ومن لم يقتنع بتفكيره فلن تهديه المعجزة من ضلال.
والإسلام دين متناسق مستجيب للفهم والموازنة بين الأمور، فهو دين المعجزات في كل شيء، ولكنه ليس بدين المعجزة التي تفحم العقل ولا تقنعه؛ لأنه دين العقل، والتفكير فريضة فيه.
ويؤمن المسلم بالنواميس الكونية أشد من إيمان الدعاة إلى تقرير تلك النواميس باسم العلم العصري أو العلوم التجريبية؛ لأنه يؤمن بأن النواميس سنة الله في خلقه.
صفحة غير معروفة