وهذه الفكرة شائعة وليست بقاطعة؛ لأن الغازات المنطلقة لا تكون أشد حرارة من الأجرام المتجمعة؛ إذ هي كلما انطلقت تسربت منها الحرارة في فضاء أوسع من حيز الكرة المتجمعة، وليست حركة الغازات بعد تجمعها موافقة للحركة التي تصورها أصحاب هذه النظرية، فضلا عما ظهر عن حقيقة السحب التي كانت تسمى سديما، ثم تحقق أنها جماعات من النجوم تعد بمئات الملايين.
ولا يستطاع البت بقول جازم في النظرية السديمية قبل البت بقول جازم في أصل الأشعة الكونية، وفي النجوم التي تنفجر لابترادها وتكاثفها وتعاظم الضغط على داخلها، واندفاع باطنها إلى خارجها. فربما كانت السدم من مادة النجوم المتفجرة، أو كانت من تجمع الأشعة الكونية، أو كان الفضاء هو مصدر هذه الحركات في أصولها عند الذين يرون أن الفضاء والأثير شيء واحد.
وأيا كان مقطع القول في هذه الفروض، فلا ينبغي أن نعدو بها فروضا يتعاورها
3
الثبوت والنقض على حسب الكشوف والمشاهدات التي تتيسر أدواتها مع الزمن، ولا تزال اليوم في أوائلها ...
ويتساوى الحكم على الماضي وعلى المستقبل في هذه الفروض التي يتباعد بها الزمن كما يتباعد بها المكان؛ فلا يقين فيها على الحالين، ولا حسم فيها بين رأيين ما اتسعت للخلاف بين فرضين ...
ولا حرج على قائل أن يقول في تقديره، كما قال العالم المجتهد الشيخ طنطاوي جوهري وهو يفسر الآية: «وقد شاهدوا من تلف العوالم اليوم ستين ألف عالم تبرز للوجود من جديد ولا تزال على الحالة السديمية، كما نقلته لك من الكتب الفرنجية في غير هذا المكان، ورأوا أن من تلك العوالم ما هو في أول تكونه، ومنها ما قطع مراحل في تكوينه، ومنها ما قارب التمام، وهي عوالم كعالمنا الشمسي الذي نحن فيه، وستبرز للوجود كما برزت شمسنا وسياراتها وأرضها، وكانت في الأصل دخانا وستستمر في التكوين، ومدتها نوبتان.
ونحن لا نقدر أن نعرف كيف تكون النوبتان، غاية الأمر أن نقول نوبة للبداية ونوبة للنهاية، ويكون هذا القول من الجمل العامة، وفائدته أن التكوين لم يكن في لحظة واحدة ...»
نقول: لا حرج في هذه الفروض والتقديرات على قائل يقول بها، وعليه عهدتها في سبيل البحث عن الحقيقة، ولكن الحرج كل الحرج أن نلزم أحدا بفروض النظرية السديمية كأنها من دعائم الإيمان بآيات التنزيل ... •••
ونكتفي من هذه الأمثلة بمثل آخر له صبغة تاريخية جغرافية جرى فيها التأويل نحو هذا الجري، وإن لم يرتق الأمر فيه إلى منزلة النظم الفلكية أو أصول التكوين؛ كتعداد السيارات أو النظرية السديمية. وذلك تأويل فاضل من معلمي الرياضة لقوله تعالى في سورة الكهف من قصة ذي القرنين:
صفحة غير معروفة