تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي

جلال الدين السيوطي ت. 911 هجري
14

تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي

محقق

أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي

الناشر

دار طيبة

وَجَعَلَتْ دَأْبَهَا السَّمَاعَ عَلَى الْمَشَايِخِ وَمَعْرِفَةَ الْعَالِي مِنَ الْمَسْمُوعِ وَالنَّازِلِ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إِلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي تَهَجِّي الْأَسْمَاءِ وَالْمُتُونِ وَكَثْرَةِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَا يَقْرَؤُهُ، وَلَا تَتَعَلَّقُ فِكْرَتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنِّي حَصَّلْتُ جُزْءَ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ سَبْعِينَ شَيْخًا، وَجُزْءَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ كَذَا كَذَا شَيْخًا. [وَجُزْءَ ابْنِ الْفِيلِ] وَجُزْءَ الْبِطَاقَةِ، وَنُسْخَةَ أَبِي مُسْهِرٍ، وَأَنْحَاءَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ السَّلَفُ يَسْتَمِعُونَ فَيَقْرَءُونَ فَيَرْحَلُونَ فَيُفَسِّرُونَ، وَيَحْفَظُونَ فَيَعْمَلُونَ، وَرَأَيْتُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا الذَّهَبِيِّ فِي وَصِيَّةٍ لِبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ: مَا حَظُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَ لِيَرْوِيَ فَقَطْ، فَلَيُعَاقَبَنَّ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ وَلَيُشْهِرَنَّهُ اللَّهُ بَعْدَ سَتْرِهِ مَرَّاتٍ، وَلَيَبْقَيَنَّ مُضْغَةً فِي الْأَلْسُنِ، وَعِبْرَةً بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ ثُمَّ لَيَطْبَعَنَّ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ؛ ثُمَّ قَالَ: فَهَلْ يَكُونُ طَالِبٌ مِنْ طُلَّابِ السُّنَّةِ يَتَهَاوَنُ بِالصَّلَوَاتِ أَوْ يَتَعَانَى تِلْكَ الْعَادَاتِ؟ وَأَنْحَسُ مِنْهُ مُحَدِّثٌ يَكْذِبُ فِي حَدِيثِهِ وَيَخْتَلِقُ الْفُشَارَ، فَإِنْ تَرَقَّتْ هِمَّتُهُ الْمُفْتَنَةُ إِلَى الْكَذِبِ فِي النَّقْلِ وَالتَّزْوِيرِ فِي الطِّبَاقِ فَقَدِ اسْتَرَاحَ، وَإِنْ تَعَانَى سَرِقَةَ الْأَجْزَاءِ وَكَشْطَ الْأَوْقَافِ فَهَذَا لِصٌّ بِسَمْتِ مُحَدِّثٍ، فَإِنْ كَمَّلَ نَفْسَهُ بِتَلَوُّطٍ أَوْ قِيَادَةٍ، فَقَدْ تَمَّتْ لَهُ الْإِفَادَةُ، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ فِي الْعُلُومِ فَقَدِ ازْدَادَ مَهَانَةً وَخَبْطًا، إِلَى أَنْ قَالَ: فَهَلْ فِي مِثْلِ هَذَا الضَّرْبِ خَيْرٌ؟ لَا أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْهُمْ. اهـ. وَلِبَعْضِهِمْ: إِنَّ الَّذِي يَرْوِي وَلَكِنَّهُ ... يَجْهَلُ مَا يَرْوِي وَمَا يَكْتُبُ كَصَخْرَةٍ تَنْبُعُ أَمْوَاهُهَا ... تَسْقِي الْأَرَاضِيَ وَهِيَ لَا تَشْرَبُ

1 / 36