والحمد الله مطلقا. فهمت قول أبقراط «(i.1) العمر قصير والصناعة طويلة» دعوى يصححها قوله «والوقت». فهمت عنهما في الفصل الأول ما هذا سياقته «الوقت ضيق، والتجربة خطر، والقضاء عسر». أما ضيق الوقت فمن قبل كثرة (4) استحالة بدن الإنسان فإنه لا يثبت على حال واحدة فأنه كثيرا ما يروم الطبيب إعطاء دواء فقبل أن يجمعه أو يدقه أو يطبخه تتغير حال البدن فيحوج إلى تغير الدواء، ومن قبل أن الكلمتين اللتين بهما يستخرج كل ما (5) في الصناعة في هذا البدن خلافهما في عسرة من مواد الصناعة وهما التجربة والقياس. أما التجربة فخطر لا يؤمن إذا جرب عليه شيء تلافه بالواحدة. وأما القياس وهو الذي سماه أبقراط القضاء فعسر لأنه لا يوجد فيه قضايا كلية، وإنما يؤلف من جزئيات، والجزئيات A لا تلزم عنها نتيجة واحدة بعينها، ولذلك اختلف فيه الأطباء. وإذا كان هذا هكذا فليس يعني مقدار عمر الإنسان الواحد باستخراج صناعة الطب وتكملتها، ولذلك ينبغي لمن أدرك فيها شيئا أن يدونه لمن يأتي بعده. فلما كان قد تقدم أبقراط خلق كثير، جمع أبقراط ما أدركه كل واحد منهم وهذبه وزاد عليه ودونه في كتبه، وأعلمنا في هذا الفصل ذلك . ودل على ذلك بقوله «فقد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج»: أراد أن الدليل على تكميلي صناعة الطب هو أنك إذا فهمت ما دونته لك وعملت به حفظت الأصحاء على صحتهم وشفيت المرضى من أمراضهم. وذلك أنه إذا لم يخطأ المريض على نفسه باتباعه سهواته ولم يخطأ عليه خدمه ومن يحضره لا في عمل غذاء أو دواء أو غير ذلك ولم يعرض له شيء من خارج يجلب عليه مرضه فحذره فغرضك المطلوب (6) يتم لا محالة. وفهمت من الفصلين B التالين (7) للفصل الأول ما هذا سياقته الطبيب خادم الطبيعة بعينها بأن يتم ما قصرت عنه ويجتهد في إزالة خللها، ولذلك يتقلب (8) أفعالها في كل واحد من أفعاله. فإذا أراد أن يغير كيفية خلط قد ساء مزاجه أو ينقص كمية خلط قد زاد مقداره أو يزيد في كمية خلط قد نقص مقداره، نظر. فإن كان ما هم به من ذلك من شأن الطبيعة إذا فعلت ما هم به، انتفع به البدن وسهل احتماله فعل ما هم به. وإن كان من (9) شأنها إذا فعلت ذلك، استضر به البدن وعسر احتماله توقي فعل ما هم به. والطبيعة قد تستفرغ الخلط فينفع به البدن إذا كان الخلط قد انتقل (10) عنها. وهذا هو الذي يسمى النضج. وقد تستفرغه فيضر به البدن إذا كان الخلط قد أثقلها وأزعجها فرمت به كما يرمي الإنسان بالحمل الذي أثقله.
صفحة ٥٣