وتابع المهراجا بعد ذلك سياسة العسف والشدة، وإن كان قد ارتبط مع الباكستان في 15 أغسطس من عام 1947 بميثاق انتقلت بمقتضاه إلى الباكستان الواجبات والمسئوليات التي كانت تضطلع بها حكومة الهند قبل التقسيم في جمو وكشمير فيما يتعلق بالمواصلات والبريد والبرق.
ومن الغريب أنه لم يبرم مثل هذا الاتفاق مع الهند.
وتظاهر المهراجا بأنه يريد أن يقف موقف المحايد بين الهند وباكستان، ولكنه في حقيقة الأمر كان لا يرغب إطلاقا في أن يعلن انضمام الولاية لباكستان.
وهكذا أخذت الثورة تسري في نفوس السكان ولم يكن المهراجا يجهل ذلك، كما أنه لم ينتقص من خطورة الموقف فأخذ في تقوية الحاميات العسكرية المكونة من السيخ والهندوس في المناطق الإسلامية، وأصدر أمرا في أواخر شهر يوليو يقضي بأن يسلم المسلمون أسلحتهم للبوليس.
وكان رد المسلمين على هذا أن بدءوا في تنظيم صفوفهم استعدادا لحرب العصابات واتخذوا مقرهم في تلال «بونش» الغربية، وكان قائد الحركة كشميري شاب هو السردار محمد إبراهيم خان الذي شرع في تنظيم المقاومة وأخذ يستثير الروح الوطنية في نفوس مواطنيه، ولما أحس به المهراجا وأصدر الأوامر بالقبض عليه تمكن من الهرب إلى باكستان، وفي مدينة موري وضع أساس حركة تحرير البلاد وهي الحركة التي تمخضت بعد ذلك عن مولد أزاد كشمير أو كشمير الحرة.
وأخذت الأيام تمضي والمهراجا مستمر في سياسة القمع والشدة ضد المسلمين حتى تطور الموقف في أواسط شهر أكتوبر وبدأ القضاء على المسلمين «بالجملة»، فاحتجت الباكستان على ذلك وتبادلت حكومتها مع حكومة المهراجا عدة برقيات شديدة اللهجة، وفي إحدى هذه البرقيات عرض المهراجا إجراء تحقيق محايد في الموضوع كله، ولكنه أشار في نهاية برقيته إلى أنه إذا لم يلب هذا الطلب فإنه لن يجد مناصا من طلب المعونة لمقاومة الأعمال العدائية التي توجه ضد بلاده.
وقد أدركت حكومة باكستان في الحال أن إشارة طلب المعونة معناها الالتجاء إلى الهند، وثبت لديها بصورة قاطعة أن الرجل يبيت أمرا.
وفي خلال معركة البرقيات بين كراتشي وسرينجار أطلق سراح الشيخ عبد الله وهو زعيم المؤتمر الوطني، وكان قد حكم عليه بالسجن لمدة تسعة أعوام في شهر مايو من عام 1946 بسبب حملة «اخرجوا من كشمير» التي قادها ضد المهراجا، وقد عرف فيما بعد أن الإفراج عن الشيخ عبدالله جاء نتيجة وساطة حكومة الهند.
وما إن أفرج عن الشيخ عبدالله حتى عقد الرجل اجتماعا كبيرا نادى فيه بأن أول طلب يتقدم به سكان كشمير هو ضرورة نقل السلطة إلى الشعب، على أن يترك بعد ذلك لممثلي الشعب في كشمير الديمقراطية أن يقرروا هل ينضمون إلى باكستان أم إلى الهند.
ورغم ما يبدو في هذا المطلب من إخلاص فإنه مما لا شك فيه أنه كان يحمل في طياته معنى الولاء للهند ... أو فلنقل روح العداء لباكستان ما دامت القاعدة التي سارت عليها الولايات الأميرية كلها في الانضمام لإحدى الدولتين كانت قاعدة الدين الغالب في الولاية.
صفحة غير معروفة