ومشكلة كشمير، وهي أخطر المشاكل المعلقة بين الهند وباكستان، نتيجة مباشرة من نتائج القسمة. •••
فقسمة شبه القارة إذن، وإن كانت قد حققت لمسلمي الهند آمالهم في وطن يستقرون فيه، وإن كانت قد جعلت من خيال إقبال ومن أبيات شعره حقيقة ملموسة وإن كانت قد مثلت نجاح محمد علي جناح في جهاده ... إلا أنها لم تضع حدا نهائيا لخلافات المسلمين والهندوس في شبه القارة الهندية، بل إن هذه القسمة زادت من عدد المشاكل القائمة وحولت الخلافات الدينية القديمة إلى خلافات اقتصادية وسياسية.
وقد ظلت نفوس الهندوس، حتى بعد أن أصبحت القسمة حقيقة واقعة، مفعمة بالمرارة والأسى، وليست مشكلة كشمير المعلقة إلا مثلا من بين الأمثلة المتعددة التي تدل على أنهم لم يقبلوا مبدأ القسمة إلا مرغمين.
بل هل لنا أن نذهب إلى أبعد من هذا فنقول إن القسمة حولت شبه القارة الموحد إلى معسكرين في كل معسكر منهما شعب وجيش، ينظر الشعب والجيش الآخران شزرا وقد امتلأا بروح التحفز والتهديد.
ولكن هل العيب هو عيب القسمة في حد ذاتها أم أنه عيب الذين تولوا أمرها وأشرفوا على تنفيذها، فأثاروا في النفوس أحقادا قديمة دفينة لا يعلم إلا الله متى يقدر لها أن تزول، وما ذلك إلا لكي تكون لهم - وحدهم - السيادة في نهاية الأمر، وذلك عملا بمبدأ الإمبراطورية القديم
Divide et impera .
وقد صحبت قسمة شبه القارة، كما تلتها، اضطرابات وقلاقل كان أهمها مذبحة أميتسار في شرق البنجاب التي قضى فيها «السيخ» على عدد كبير من المسلمين، ولما انتشرت أخبار هذه المذبحة فزع المسلمون في جهات كثيرة وبدأت حركة الهجرة فانتقل الملايين من المسلمين الذين كانوا يقطنون ولايات تتبع الهند إلى الولايات التي تتكون منها باكستان.
ولما كانت الهند قد اتخذت عاصمتها في دلهي، وهي العاصمة القديمة، فقد كان من الطبيعي أن تحصل من القسمة على النصيب الأوفر من الامتيازات والتسهيلات والأموال المدخرة.
ولا أزال أذكر حديثا دار بيننا وبين السرداد نشتر في كراتشي، فروى لنا أن حكومة الباكستان بعد تأسيسها واستقرارها في عاصمتها الجديدة كراتشي لم تكن تجد ورقا أبيض تحرر عليه خطاباتها الرسمية أو تعليماتها ...
بل لقد روى لنا السردار نشتر كيف أنه دخل مرة على القائد الأعظم محمد علي جناح، وكان ذلك بعد تأسيس الدولة الجديدة بشهرين، فوجده مهموما وأخذ يشكو إليه اضطراب الإدارات والمصالح الحكومية وعدم انتظامها في أعمالها بسبب افتقارها إلى الأدوات الأولية، حتى إن مدير السكك الحديدية أصدر أمره لموظفي المحطات بصرف تذاكر المسافرين على قصاصات من الورق الأبيض بعد ختمها ...
صفحة غير معروفة