فعلم أبو الخطاب أنهم خدعوه وبلغ منه موت عاصم مبلغا عظيما ، فقال لاصحابه : أنهم خدعونا وغدرونا ، فسنخدعهم ونغدرهم كما فعلوا ، فخدعهم رحمة الله ، وامر اهل العسكر بان يأخذوا سلاحهم ويخلا اخبيتهم ويخرجوا تحت الليل وياخذوا الطريق شبه الهاربية مذعورين ، فاصبح منزل عسكر ابى الخطاب خاليا ، فظن أهل القيروان أنهم هربوا منهم ليلا ، وقالوا : انهزمت البربر ، واخذوا بآثارهم ن ومضى أبو الخطاب رحمه الله فيمن معه إلى واد وراء فحص رقادة ، وكمن فيه بخلية ورجله ، فأخذ اهل المدينة في طلب ابى الخطاب واصحابه . فلما لحقوا بهم ، وجدوهم معسكرين فثار ابو الخطاب وأصحابه في وجوههم ، فهزموهم فتبعهم أبو الخطاب واصحابه ، يقتلونهم ، حتى دخلوا معهم المدينة فتحصلت المدينة لأبى الخطاب في سنة احدى واربعين ومائة من التاريخ .
فلما ولى ابو الخطاب المدينة أستعمل عليها عبد الرحمن بن رستم رحمه الله ، وقد أمر أبو الخطاب أصحابه حين كان في حصار المدينة ان لا يفسدوا زرعا ولا غيره .
وحدث بعض أصحابنا ان شيخا من شيوخ القيروان بعث ابنا له يرتاد مزرعة كانت له بقرب منزل عسكر ابى الخطاب فقال يا بنى : أذهب وانظر هل بقى في مزرعتنا شئ قال : فخرج الغلام إلى المزرعة فوجدها سالمة لن ينلها فساد ، فرجع الغلام إلى أبيه فأخبره ، فعجب لذلك وعجب الناس لعدل ابى الخطاي وسيرته وطاعة أصحابه له فيما يامرهم به وينهاهم عنه . وكان من مقالة الشيخ المذكور اذ ذاك لمن حضره من أهل القيروان : أتظنون ان ابا الخطاب يشبه من ولي عليكم قبلة دنيا وفضلا ؟ وأن سيرتهم كسيرته حسنا وعدلا ؟ كلا والله . أين مثل أبى الخطاب في سيرته وعدله وفضله !
صفحة ٣١