وكل ذلك في زمن وجيز. وصفوة القول أن انظر دائما كم هي قصيرة رخيصة حياة الإنسان ، بالأمس كان بذرة وغدا مومياء أو رمادا.
عليك إذن أن تقضي هذه الكسرة الضئيلة من الزمان في انسجام مع الطبيعة، وغادرها راضيا، مثلما تسقط زيتونة حين تبلغ النضج، مباركة الأرض التي حملتها، وشاكرة للشجرة التي منحتها النماء. (4-49) كن مثل رأس الأرض في البحر تتكسر عليه الأمواج بلا انقطاع وهو ثابت وطيد يخمد من حوله جيشان الماء،
27
أفتقول «ما أتعس حالي إذا أصابني هذا»؟ لا بل قل: «ما أسعدني إذ أصابني هذا الأمر وما زلت خاليا من الحزن والأسى، لم يحطمني الحاضر ولم يخفني المستقبل.» فقد ينزل مثل هذا المصاب بأي إنسان ولكن ليس كل إنسان بقادر على أن يحتمله من غير ألم. لماذا إذن تبتئس بالمصاب أكثر مما تستبشر بقدرتك على احتماله؟!
28
وهل تسميه مصابا للإنسان، على كل حال، ذلك الذي لا يشذ عن طبيعة الإنسان؟ أو تسميه شذوذا عن طبيعة الإنسان ذلك الذي لا يتعارض مع أهداف طبيعته؟ حسن إذن. لقد تعلمت ما هي هذه الأهداف، هل ثمة من شيء في هذا المصاب يمنعك من أن تكون عادلا وشهما ومعتدلا وحصيفا وصادقا وشريفا وحرا، أو غير ذلك من الصفات التي تحقق في اجتماعها طبيعة الإنسان الحقة؟ تذكر إذن في كل حدث منغص هذا المبدأ: «ليس هذا بالحظ السيء، بل احتمال هذا بنبالة وكرم هو حظ سعيد.» (4-50) ثمة طريقة سوقية على أنها مسعفة لك في أن تضع الموت في حجمه الصحيح؛ وهي أن تستعرض في ذهنك قائمة بأولئك الذين تشبثوا بالحياة فترة طويلة. ماذا ربحوا من ذلك أكثر مما ربح من مات مبكرا؟ من المؤكد أنهم يرقدون الآن جميعا في قبورهم؛ كايديكيانوس، فابيوس، يوليانوس، ليبيدوس،
29
وأمثالهم جميعا من الذين ساروا في جنازات كثيرة ثم جاءت جنازة كل منهم، ما أقصر المسافة بين الميلاد والموت، انظر أي عناء نحتمله في هذه المسافة، وأي صحبة تكتنفنا فيها ومع أي صنف من الناس، وفي أي جسد واهن نقطعها بجهد جهيد، ليست الحياة إذن بالشيء الثمين، انظر إلى هول فجوة الماضي من ورائك وإلى اللانهاية الأخرى من أمامك. ما الفرق من هذا المنظور بين رضيع عاش ثلاثة أيام ونستور
30
عاش ثلاثة أجيال؟ (4-51) اسلك دائما الطريق القصير، وطريق الطبيعة قصير،
صفحة غير معروفة