17
لا يعرفون كل ما تعنيه هذه الكلمات؛ السرقة، والبذر، والشراء، والاستجمام، والواجب؛ فذاك شيء يحتاج إلى رؤية أخرى غير رؤية العين. (3-16) الجسد، النفس، العقل. إلى الجسد تنتمي إدراكات الحس، وإلى النفس تنتمي النوازع، وإلى العقل تنتمي الأحكام. أما استقبال انطباعات الحس فتشارك فيه الأنعام. وأما الاستجابة لخيوط دمى الرغبة فتشارك فيه الوحوش والمأبونون ومن على شاكلة فالاريس
18
أو نيرون. وأما امتلاك العقل كمرشد إلى ما يبدو فعلا مناسبا فيشارك فيه أولئك الذين لا يؤمنون بالآلهة، والذين يخونون أوطانهم، والذين يقترفون الإثم من وراء الأبواب المغلقة.
فإذا كان كل شيء آخر مشتركا مع كل ما ذكرت، يبقى هناك ذلك الذي يميز الإنسان الصالح؛ أن يرضى ويقنع بما يجري عليه به القضاء وتنسجه خيوط قدره، وألا يدنس ألوهته التي تقبع داخل صدره أو يعكر صفوها بخليط من الانطباعات المشوشة، بل يحفظها في سكينة واتصال وثيق بالله، لا يقول غير الحق ولا يفعل غير العدل.
وإذا أنكر كل الناس أنه يعيش حياة بسيطة ومتواضعة وراضية فإنه لا يغضب على أي منهم، ولا يتنكب الطريق التي تؤدي إلى الغاية النهائية للحياة؛ إلى هذه الغاية ينبغي أن يأتي نقيا، مطمئنا، متأهبا للرحيل، مصطلحا تماما مع قدره دون أي إكراه.
الكتاب الرابع
(4-1) تلك القوة الحاكمة بداخلنا، حيثما كانت في توافق مع الطبيعة، تتخذ موقفا مرنا مع الظروف وتكيف نفسها دائما بسهولة ويسر مع ما يعرض لها من أحداث،
1
فهي لا تتطلب مادة معينة لعملها، بل تتجه إلى غرضها بأسلوب تكيفي فتحول أي عقبة في طريقها إلى مادة لاستعمالها. إنها أشبه بنار تسيطر على أي شيء يسقط في جوفها. قد تنطفئ الجذوة النحيلة إثر ذلك، أما النار المضطرمة فتتملك المادة التي تركم عليها، وتلتهمها وتنزو فوقها بفضل هذه المادة نفسها. (4-2) لا تفعل شيئا من غير هدف، أو من غير وفاق مع مبادئ الفن؛ فن الحياة. (4-3) إنهم يبحثون عن منتجعات لهم؛ في الريف، على البحر، على التلال، وأنت بصفة خاصة عرضة لهذه الرغبة المشبوبة، ولكن هذا من شيم الطغام؛ فما زال بإمكانك كلما شئت ملاذا أن تطلبه في نفسك التي بين جنبيك؛ فليس في العالم موضع أكثر هدوءا ولا أبعد عن الاضطراب مما يجد المرء حين يخلو إلى نفسه، وبخاصة إذا كانت نفسه ثرية بالخواطر التي إذا أظلته غمرته بالسكينة التامة والفورية،
صفحة غير معروفة