ويل لهذا الإنسان! أتته آلاف الأنبياء والحكماء والمصلحين، وآلاف الآيات والنُّذُر، ولا يزال ممعنًا في غوايته مقبلًا على شهواته. إن امرأة واحدة عارية تهدم في ساعة واحدة ما يبنيه الأستاذ المرشد المصلح الهادي في عشرين سنة. إن الصخر الأصم لَيلينُ ويتفجر منه الماء وقلب الإنسان لا يلين، وإن الجماد ليعي النُّذُرَ ويعتبر وهذا الإنسان لا يعي ولا يعتبر.
من فكر واعتبر بهذه البيوت وكم مَرَّ عليها من ساكنين؟ كم رأت مَن ذلَّ بعد عزّ وعَزَّ بعد ذل، ولم يبق من ذلك شيء! هنالك وراء الأموي كانت «الدار الخضراء»، منزل الأخلاف من بني أمية، وكانت أمنعَ من النجم وأبهى من الشمس، وكانت سُرّة الأرض، من جبال الصين إلى البيرنيه، فآضت اليومَ مصبغةً صغيرة حقيرة! وسترجع المصبغة قصرًا، ثم يصير القصر مقبرة (١).
_________
(١) تحدث عن هذه الدار في بعض مواضع «الذكريات» فقال: " ... وسوق القباقبية حيث تُصنَع القباقيب، وقد كان في موضعه «الدار الخضراء»، دار معاوية وأكثر الخلفاء من بني أمية، جنوبي الجامع ووراء جدار القبلة، ولا يزال الباب الذي كان يدخل منه الخلفاء إلى المقصورة ظاهرًا ولكنه مسدود. كل ما في الدنيا يولد ويموت، يقوى ويضعف، يعزّ ويذلّ؛ فالدار الخضراء التي كانت يومًا عاصمة الدنيا وسرّة الأرض، ومنزل الخلفاء من بني أمية الذين كانوا يحكمون ما بين قلب فرنسا وقلب تركستان وأطراف باكستان، وكانت محط الآمال ومطمح أنظار الرجال، صارت سوقًا للقباقيب! ولم يبقَ من اسم الخضراء إلا مصبغة صغيرة تحت الأرض، هي المصبغة الخضراء" (الذكريات: ١/ ١٩٤). وانظر أيضًا مقالة «على أطلال الخضراء» في كتاب «البواكير» (مجاهد).
1 / 49