سرور النفس بمدارك الحواس الخمس
محقق
إحسان عباس
الناشر
المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بناية برج الكارلتون - ساقية الجنزير ت: 312156 - 319586 - برقيا موكيالي - بيروت ص. ب: 11/ 5460 بيروت-لبنان
رقم الإصدار
1، 1980
النضج، ومثله في الناس الزنج فإن أرحامهن جازت حد الإنضاج إلى الاحتراق، وشيطت الشمس شعورهم فتقصفت، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعد، فإن زدته تفلفل، فإن زدته احترق؛ فكما أن عقول سودان الناس وحمرانهم دون عقول السمر، فكذلك بيض الحمام وسودها دون الخضر في المعرفة والهداية. والفقيع من الخيل لا ينجب وليس فيه إلا حسن بياضه لمن اشتهى ذلك لا غير.
والحمام (1) طائر ألوف مألوف محبب، موصوف بالنظافة، حتى ان ذرقه لا يعاف، ولا نتن له كسلح الدجاج والديكة، وقد يتعالج بذرقه صاحب الحصاة، وللفلاحين فيه منافع، والخباز يلقي الشيء منه في الخبز لينفخ العجين ويعظم الرغيف ثم لا يبين ذلك فيه. ولذرقه غلات.
وليس الأطواق إلا للحمام.
وفي ذم الحمام (2) روي أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أراد أن يذبح الحمام وقال: لولا أنها أمة من الأمم لأمرت بذبحها، ولكن قصوهن. فدل بقوله: قصوهن على أنها إنما تذبح لسوء رعة من يتخذهن ويلعب بهن من الفتيان والشطار، وأصحاب المراهنة والقمار، والذين يشرفون على حرم الجيران، ويخدعون بفراخ الحمام أولاد الناس، ويرمون الجلاهق، وما أكثر من قد فقأ عينا وهشم أنفا وهتم فما وهو لا يدري ما صنع، ثم تذهب جناحيه جبارا ويعود ذلك الدم مطلولا، إذ كان صاحبه مجهولا. وكان عمر - رضي الله عنه - أمر بذبح الديكة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب. وروي أن عثمان رضي الله عنه شكوا إليه الحمام فقال من أخذ منهن شيئا فهو له.
قال الجاحظ (3) : وقد علمنا أن اللفظ وإن كان وقع على شكاية الحمام أن المعنى إنما هو في شكاية أصحاب الحمام، لأنه ليس في الحمام معنى يدعو إلى شكايته. وسئل الحسن عن الحمام الذي يصطاده الناس فقال: لا تأكله فانه أموال الناس، فجعله مالا ونهى عن اصطياده بغير إذن أهله ، وكل ما كان مالا فبيعه حسن وابتياعه حسن، فكيف يجوز لشيء هذه صفته أن يذبح إلا أن يكون
صفحة ١١٣