============================================================
الاولما جن عليه الليل أمر عبيده فعقروا ألف دالية، وألف زيتونة ، وألف لوزة(1) فأصبحت مصرعة فى أشنع منظر، فأتوا السائح فأخبروه بما حدث، لوهم لا يعلمون أنه هو الفاعل لذلك، فزجرهم ، وقال لهم : إنه مالى فلا عليكم منه بقى أو ذهب، وعلموا أنه عمله، فثاروا إليه وأهانوه وضربوه ثم طردوه، فخرج من الدير على الحالة التى دخله عليها.
فلما حصل بظاهر الدير سرح طرفه فيما كان عمره وغرسه، فرآى منظرا رانعا، فتتفس الصعداء تحسرا على ذهاب شبابه وقوته وريعان عمره فيما لم يجد فيه طائلا، ثم كانت عاقبته إلى مزايلته والاتسلل(1) منه على حال مهولة وفاقة(2) وضعف .
فقال : بحق قالت الحكماء : الدنيا سبيل تعبر ولا تعمر، وممر سالك، لا مقر بارك.
ل وقيل : الدنيا جسر من عبره باعتبار؛ أفضى به إلى قرار، ومن عبره باغترار، أفضى به إلى دمار وتبار(2).
الا وقالوا : قريب سلبها من سلمها، وخطفها من عطفها، والعاقل من ألها من استعد لحيلها، وليس الاستعداد كذلك إلا للتأهب لبغيها المكتوم وفراقها المحتوم، فالاستكثار منها نقيض ذلك.
ال وقالوا : إن الخروج من النيا ما لا تطيب به نفس، ولكن قد تتهيا الرياضة عليه باسشعار الزهد فى الفانى العاجل ، والاستكثار من العمل النافع فى الأجل وقالت الحكماء: التتعم فى الدنيا يضاعف حسرة زوالها، ويؤكد غصة(5) اغتيالها.
1) شجر مثمر من فصيلة الورديات شبيه بالمشش .
(2) الخروج على خفية وغفلة .
(2) الحاجة والعوذ .
4)فناء وهلك .
5) الغصة : الضيق والحزن والهم . أى زوالها فجاعة.
صفحة ١٥٠