يتغافل عن تيقظ نفسه ، في كل وقت وتحريضها على ماهو أصلح لها ، وأن لايهملها ساعة واحدة ، فإنه متى أهملها وهي حية ، والحي متحرك لم يكن لها بد ، من أن تتحرك نحو الطرف البهيمى ، وإذا تحركت نحوه تشبثت ببعض منه حتى إذا أراد ردها عما تحركت نحوه لحقه من التصب (1) أضعاف ما كان يلحقه لو لم يهملها ، والمرء لا يخلر في جميع تصرفاته من أن يلقى أمرا محمودا أو مذمرما ، له في كل واحد من الأمرين فائدة تمكنه استفادتها ويجد في كل واحد منهما نفعا يمكنه جذبه إلى نفسه ويصادف في كل واحد منهما موضع رياضة لنفسه ، وهو أن يحتال للتمسك بذلك الأمر المحمود الذي يلقاه أويجد فيه إن وجد السبيل إلى التمسك به أو يتشبث / بالتمسك به متى ما وجد الفرصة لذلك ، وهو لا شك واجد السبيل إلى أحد هذه السبل الثلاث ، وإذا تلقاه الأمر المذموم فليجتهد في التحرر منه والتباعد عنه ، وإن لم يجد إلى ذلك سبيلا ، رهو واقع فيه فليبالغ في نفيه عن نفسه بغاية ما أمكنه ، فإن لم يمكنه التبري منه فليعزم على نفسه ، أنه إذا تيسر له الخلاص منه لا يعرد إلى أسبابه ، وليقبح إلى نفسه دواعي ذلك الأمر ولينبهها على الإعتبار بمن نالهم مضار مثلها ، فقد ظهر أن المرء تصادف أحواله خيرها وشرها موضع الرياضة لنفسه والإصلاح لأخلاقه، وقد أجمعت الفلاسفة على أن جميع أجناس الفضائل التى لاتحتاج في اقتناء كمال التفس إلى غيرها بحتمعه ، في أربعة أصول يتفرع منها فروح كليرة وسيأتي ذكرها إنشاء الله تعالى رهي :
(الحكمة) : وهي علة صحة الفكر و الروية والتميز في سائر الأشياء ، وقوامها في القوة الفكرية .
( العفة) : وهي علة الورع وضبط النفس عن الشهرات المؤذية الفانية ، وقوامها في القوة الشهوانية .
{ الشجاعة) : وهى علة الإقدام ، رأن لاينهزم المرء عند الشدائد و المخاوف ، وقرامها في القوة الغضبية.
(العدالة) : وهى علة صحة الأفعال ورضعها في مواضعها اللائقة بها ، وقوامها في اعتدال هذه القوى .
صفحة ٤٧