ومثال هذا كأن سائلا سأل فقال: خبرنى عن الأرض: بحر هى أم سماء؟ فبعض الناس قد تقصر معرفته عن ذلك قليلا: فإما أقر أنه لا جواب عنده فيما يسأل وأن المسألة واحدة، وإما أن يبكت، فكأن الظاهر منه أنه قد أبكت بالحيرة — ومثال ذلك أن يقول : يا ليت شعرى هل هذا وهذا هما إنسان! والضارب لهذا وهذا إنما ضرب إنسانا، لم يضرب إنسانين. ومن ذلك أن تقول أيضا: من الأشياء ما هو خير، ومنها ما ليس بخير، فمجموعهما أخير هو أم غير خير؟ فأى هاتين قلت فقد هجنت القول وجعلته كالتبكيت أو جعلته كذبا ظاهرا، لأن من أثبت الخير فيما لا خير فيه أو نفاه عما يثبت فيه فقد قال كذبا، وإن أنت زدت على ذلك القول شيئا فقد يصح، وإن كان تبكيتا وتهجينا كقولك إن الواحد والكثير قد يقال بنحو واحد أنها ببعض وأنها عراة وأنها عميان. فإن كان الأعمى هو من لا بصر له وقد يمكن أن يكون له بصر، فالعميان قد يمكن أن تكون لهم أبصار. فإن كان أحد هذين له مرة بصر ومرة لا بصر له، فقد يكونان جميعا إما مبصرين وإما أعميين؛ وذلك ما لا يمكن.
[chapter 6: 6]
صفحة ٧٩٣