أجل، لقد نسينا مسألة القيام للقادم فهي أيضا تبيض الوجه، وقد عبر عنها أحد الأساتذة النحويين ببيتين من الشعر قالهما في تلميذ لم يقف له:
إذا شاركت قوما في وقوف
لقادم مجلس نلت الوقارا
وإلا كنت مستثنى بإلا
كقام القوم إلا ذا الحمارا
وأخيرا كانوا فيما مضى يقولون لنا: ضحك بلا عجب من قلة الأدب، وصاروا يقولون اليوم: اضحك يضحك لك العالم. أما أنا فعملت بآراء الأقدمين صغيرا، وأراني أعمل اليوم بآراء المحدثين، وإذا لم يضحك لي العالم أضحك وحدي، ولا يهنأ لي عيش حتى أضحك جليسي وأستولي على المبادرة، فإذا كانت الابتسامة تفتح في وجهنا الباب فالضحكة تحلنا في صدر البيت على الرحب والسعة.
الفقر سلم المجد
يقول العوام: «الفقر زنجير الرجال.» وأنا أقول غير ما يقولون، أقول: إن الفقر مهماز يدمي الخواصر، فلو شبع الناس جميعا واكتفوا لم تتقدم الإنسانية خطوة واحدة، ولو لم يشق الإنسان لما بلغ ما بلغ. تصوروا أن أبانا آدم لا يزال في فردوسه الأرضي، وأن الله لم يصدر تلك الفقرة الحكمية: «بعرق جبينك تأكل خبزك»، فماذا كان صار؟ وأين كنا اليوم؟ أما كنا كتلك البهائم التي لا يعنيها من شئون الحياة غير هم البطن؟ «الفقر زنجير الرجال» هكذا قالوا، أما الرجل الطماح فلا يزنجره شيء، لا فقر ولا مصاعب، ولا تقف بوجهه عقبة ما، إن إرادته العظمى استباحت كنوز الأرض فانفتحت له وغرف منها ما شاء، فكل الحصون المنيعة تسقط واحدا بعد واحد أمام المريد الذي يقف على قدميه بعدما يسقط ألف سقطة. وخير عبرة لنا في هذا الموضوع أولئك الرجال المفارد الذين نهضوا من أعمق الأعماق وصعدوا في العقبات، وأخيرا كانت الوثبة العظمى فبلغوا أعلى الذرى.
لقد ضل من يعد الفقر سببا من أسباب تخلفه عن ركب الحياة، ليته يتذكر قول شاعرنا أبي الطيب: «وربما صحت الأجسام بالعلل.»
الفقر علة ولكنها علة تشفي من علل كثيرة، إنه مهماز حاد ينخسك ليل نهار فلا تستقر ولا تهدأ، لقد خلق عباقرة كثيرين، ومن يدريك أيها الشاب أنك لست منهم؟
صفحة غير معروفة