دراسات في التصوف
الناشر
دار الإمام المجدد للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
تصانيف
يوم: أستاذ! أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل، وقد تركت الشهوات وليس أجد في قلبي من هذا الذي تذكره شيئًا بتة. وأنا أؤمن بكل شيء، تقول وأصدّق به، فقال له أبو يزيد: لو صُمْتَ ثلثمائة سنة وأنت على ما أراك لا تجد من هذا العلم ذرة. قال: ولم يا أستاذ؟ قال: لأنك محجوب بنفسك. قال له: فلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب؟ قال: نعم! ولكنك لا تقبل ولا تعمل. قال: بلى! أنا أقبل وأعمل ما تقول. فقال له أبو يزيد: إذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وانزع منك هذا اللباس وأتزر بعباء وعلق في عنقك مخلاة وأملأها جوزًا واجمع حولك صبيانًا وقل بأعلى صوتك: يا صبيان! من صفعني صفعة أعطيته جوزة. وأدخل إلى سوقك التي تعظم فيه وينظر إليك كلُّ من عرفك على هذه الحالة. فقال: يا أبا يزيد! سبحان الله! تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا؟ فقال أبو يزيد: قولك: " سبحان الله " شرك. قال: وكيف؟ قال أبو يزيد: لأنك عظمت نفسك فسبّحتها. فقال: يا أبا يزيد! هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله، ولكن دُلّني على غير هذا حتى أفعله. فقال له أبو يزيد: ابتدأ بهذا قبل كل شيء حتى تّسقط جاهك وتّذل نفسك، ثم بعد ذلك أعرّفك ما يصلح لك. فقال: لا أطيق هذا. قال: قلت إنك لا تقبل وأنا لا أعلم " (١).
فإذن لا يصلح أمر التصوف إلا لمن بادر إلى مخالفة الشرع بأمر شيخه ولم ينكر عليه، ولذلك كتب الشعراني:
" لا ينبغي لأحد أن يبادر إلى الإنكار على أمر شيخه بحلق لحيته، فربما كان ذلك من شيخه ليدفع به عنه الكبر والفخر " (٢).
فهل يندفع الكبر والفخر، وتتأتى اللذة في الصوم والصلاة والتلاوة بالخروج على الكتاب والسنة؟
وبالمناسبة ننقل هنا ما قاله الأفلاكي نقلًا عن بعض مشايخه أنه قال:
(١) النور من كلمات أبي طيفور للسهلجي ص ١١٢، ١١٣، إيقاظ الهمم لابن عجيبة ص ٣٦، ترصيع الجواهر المكية لعبد الغني الرافعي ص ٢٢. (٢) الأخلاق المتبولية للشعراني ج١ ص ٤١٢.
1 / 118