وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

أحمد محمود الشوابكة ت. غير معلوم
91

وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين

الناشر

دار عمار للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م

مكان النشر

عمان - المملكة الأردنية الهاشمية

تصانيف

أمّا قبول النَّبيّ ﷺ أعذار المتخلّفين عن غزوة تبوك، قبل أن يعرف ذوي العذر في التخلف ممّن لا عذر له، فهذا من اختيار النَّبيّ ﷺ للمفضول من أمرين مباحين، ثمّ يوجّه الله نبيّه إلى الأفضل منهما، قال تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (٤٣)﴾ [التوبة]. ومن توهّم أنّ العفو لا يكون إلا عن ذنب أذنبه ﷺ وأنّ العفو إثبات للمعصية أو المخالفة، فالجواب، أنّ معنى ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ أي لم يُلْزِمكَ ذنْبًا. ثمّ انظر إلى الآية كيف ابتدأت بالعفو تَوْقيرًا لرسول الله ﷺ ورَفْعًَا من شأنه، لأنه كريم على الله، ألم تر أنّ الله قدم العفو على العتاب، وإنما عاتب الله نبيّه لقصور الاجتهاد عن بلوغ درجة الكمال، فالله تعالى يعلّمه الكمال في الاجتهاد، فهو عفو خاص يليق بمقام النُّبوَّة، كذلك فإنّ الله أكرم من أن يعود في عفوه. أمّا ما قيل في عتاب الله تعالى له في إخفائه أمر زواجه ﷺ من زينب ﵂، وكانت تحت زيد بن حارثة ﵁! وما قيل في خشيته ﷺ قَالَةَ النّاس ولائِمَتَهُم، والله أحقّ أن يخشاه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ... ... (٣٧)﴾ [الأحزاب]. فالجواب، أنّ الّذي حمله ﷺ على إخفاء ذلك خشية أن يرجف المنافقون فيقولون: تزوج امرأة ابنه، فقد كان مُتَبنَّاه قبل نزول تحريم التبنّي، وكان يدعى زيد بن محمّد، فاستشعر النَّبيُّ ﷺ أنّه لو أظهر ذلك لَعَابَهُ مَنْ في قلبه مرض من النّاس، وهذا قد يُحدِثُ تأثيرًا في إيمان العامّة، وهذا دليل على أنّ خشية النّاس المشار إليها في الآية لم تكن خشية على نفسه، وإنّما خشية في الله، ولعلّ ما يؤيّد ذلك أنّ الله تعالى أثنى بعد ذلك على الأنبياء الماضين، فقال: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)﴾ [الأحزاب]، فإذا كان هذا شأن الماضين، فما بالك بشأن خاتم النَّبيِّين، وسيِّد

1 / 92