وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
عمان - المملكة الأردنية الهاشمية
تصانيف
أي لولا حُكْمٌ من الله سبق بإحلال ذلك لكم، لأصابكم في أخذ الفداء من الأسرى قبل أن تؤمروا عذابٌ عظيم، والآيات فيها عتاب للنَّبيِّ ﷺ على أخذ الفداء قبل أن يكثر القتل والقهر في العدو، ويبالغ فيه.
ولم يوجّه الله ﵎ العتاب للنَّبيِّ ﷺ مباشرة، وإنّما عرّضَ به تلطّفًا به ﷺ ألم ترَ أن الله تعالى قال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ﴾ والمراد نبيُّنا ﷺ وقال: ﴿تُرِيدُونَ﴾ ولم يقل: تريد. وإنّما عتب عليه لعلو مكانته عند الله؛ وإلَّا فقد استقرّ حكم الله في النِّهاية على رأيه، فقد وافقه الله تعالى آخرًا، قال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)﴾ [الأنفال] والمعنى: أنَّ الله قد أحلّ لكم الفداء، وأنّه ﵎ غفور لما أخذتم من الغنيمة قبل حِلِّها، رحيم بكم إذ أحلَّها لكم.
وفي صحيح مسلم عن عمر ﵁ قال: " ... فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله ﷺ: لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبيّ الله هم بنو العمّ والعشيرة، أرى أن تأخذَ منهم فدية، فتكون لنا قوَّةٌ على الكفّار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله ﷺ: ما ترى يا بن الخطّاب؟ قلتُ: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكنّي أرى أن تمكّنا فنضرب أعناقهم، فتمكّن عليًّا من عقيل، فيضرب عُنُقَه، وتمكّني من فُلان - نسيبًا لعمرَ - فأضرب عُنُقه، فإنّ هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر، ولم يَهْوَ ما قلت، فلمّا كان من الغد جئت، فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أيّ شيء تبكي أنت وصاحبُك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت، لبكائكما. فقال رسول الله ﷺ: أبكي للذي عرض عليّ أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرِضَ عليّ عذابُهم أدنى من هذه الشّجرة - شجرة قريبة من نبيّ الله ﷺ وأنزل الله ﷿: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ فأحلّ الله الغنيمة لهم " (^١).
(^١) مسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٦/ج ١٢/ ص ٨٥) كتاب الجهاد والسير.
1 / 91