وهتف الأطفال: فيدو! فيدو! فيدو!
وذكرك الناس - يا فيدو - في كل مكان.
أما صاحبك؛ العامل كارلو سورياني، الذي قتل في إحدى الغارات الجوية، ذات يوم منذ أربعة عشر عاما.
أما صاحبك ...
فلن يذكره أحد يا فيدو.
لن يذكره أحد.
1957م
في الغابة السوداء
في الغابة السوداء طرق لا تؤدي إلى شيء، كأنها دروب في قصر التيه، طرق يعرفها الفلاحون جيدا، ويتحاشونها في ذهابهم وعودتهم. ولم أكن أعرف هذه الحقيقة حين توغلت في المسير، في ذات يوم من أيام هذا الشتاء. تركت الفندق الذي أسكن فيه ورائي، وليس معي غير معطفي الذي أتدثر به، وقفازي الجلدي ومجموعة من شعر «هولدرلن». قلت في نفسي إن خير ما أفعله أن أصل إلى أعلى قمة في هذا المكان؛ فليس أجمل من أن أقرأ شاعر الوحدة وأنا معه وحيد!
كانت الجبال ترتفع حولي في كل مكان كأنها حيتان رهيبة غارقة في نومها منذ الأزل، وأنا أسير بينها كالرحالة الذي تخلى عنه كل رفاقه. وكان الثلج يغمر الأشجار، ويعانق غصونها وأوراقها في حنان، كأنه نعمة بيضاء هبطت من السماء. وكلما تلفت حولي وجدت حروفا نقشت على صدره؛ قلوبا وسهاما وأسماء صبية وبنات.
صفحة غير معروفة