سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

شوقي عبد الحكيم ت. 1423 هجري
140

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

تصانيف

فزارت سبأ وحضرموت وصنعاء وعدن وعمان والبحرين ويثرب وإخميم ومصر وقرطاج وتونس وبعلبك ولبنان؛ محذرة من سيف أرعد وأطماعه، جامعة فلول جيش التباعنة والمبادرة بالحرب دون غفلة.

حتى إذا ما نشبت الحرب، أبلت قمرية البلاء الحسن إلى حد الاستبسال الذي أخرس كل الألسنة الطامعة في النيل منها كامرأة أنثى، وهي الأقرب إلى أن تكون «أعجمية» منها إلى أن تكون عربية رغم اقترانها بالتبع الراحل وخلفها منه.

بالإضافة طبعا إلى التصورات الغيبية التي ربطت بين دخولها على ملكهم الحكيم الحبيب ذو اليزن، وبين قضاء التعجيل بمنيته، تحت ثقل مرضه العضال، ومن هنا كان ولا بد من مواجهة خطر الأحباش المعادين للعرب جنسا ولغة وحضارة، باعتبارهم ساميين طامعين في جيرانهم ومتاخميهم الحاميين: «ذوي البشرة السوداء، أبناء اللعنة.»

ومن هنا حقق سيف أرعد نجاحاته في جمع شمل أقوامه الأفارقة، مثيرا ومذريا مشاكل وقضايا، عنصرية وعرقية، تتصل باللون واللغة وركام مخلفات العصور - الأسطورية والخرافية - القديمة المتأججة تحت الجلد منذ الأزل، وساعد ملك الأحباش أرعد، في هذا وزيره - العنصري - الحاقد سقرديون، نظرا إلى ثقافته الهلينية اليونانية الدخيلة على العرب والأفارقة معا .

كما أن هذا المدخل المستنفر للدعوات «العنصرية واللونية» قد ساعد بالفعل سيف أرعد في تدعيم حشوده ضد العرب والتعريب، وأضاف إلى هذا ادعاءاته لأقوامه وحلفائه أن هدف ذي اليزن واهتمامه بمصادر الماء مصدر الزرع والاخضرار وكل حياة، من سدود ومجاري الماء و«كيميا» التربة وكيفية تخزين وتصريف المياه، مرجعها رغبته في السيطرة على شريان أفريقيا بأسرها وهو نهر النيل: ومن هنا كان تستره - أي التبع الراحل ذو اليزن - وراء بحثه وكتاباته - الخفية السرية - عن: كتاب النيل.

ودعم سيف أرعد دعوته العدوانية هذه، مرسيا قوائمها، مستثيرا حمية الأقوام وقبائل أفريقيا السوداء وتجميعها تحت راياته في إثيوبيا، مواصلا حملاته على عاصمة التباعنة ذاتها.

واستخدم أرعد في هذا كل وسائل الإسراع المعجل لتقويضها، بالحرب وقطع شرايين أنهارها وتخريب سدودها وإضرام النار في منشآتها وحصونها التي كان قد عانى ذو اليزن في إيجادها وتأمينها حتى آخر لحظات عمره القصير، ومن هنا أيضا جاءت معاناة الملكة قمرية في الصمود والدفاع عن حصون العرب التباعنة في وجه ملك الأحباش المدجج بكل وسائل القوة والخداع والتآمر، باللجوء إلى وسائل الحرب الخاطفة واختراق كل ثغرة تتيح للأحباش إحداث الخدوش الدامية - بأحمرا - والفرار دون مواجهة، مما دفع بقمرية إلى وصف تلك الحرب المخادعة بأنها شبحية.

ورغم ذلك نجحت قمرية في تغيير أساليب حربها بدورها، وردع أعدائها بقدرة فائقة لم تكن تخلو من خداع - أنثوي - ماهر، كثيرا ما دفع بسيف أرعد إلى الغليان، إلى حد الهذيان وملازمة الفراش واستدعاء حكمائه ومطببيه دون انقطاع، صارخا في وجوه الجميع، حتى وزيره سقرديون. - أنا لست مريضا، أنا فقط مسقوم من حية أحمرا، الرقطاء، التي ربيتها ورعيتها هنا بنفسي في إثيوبيا، فاستدارت اليوم مغيرة جلدها، لتلدغني أنا في المقتل، يا لسمومها المستشرية!

كانت قمرية تعرف كيف تلدغه في المقتل، وأينما يوجع، كلما عن له الهجوم الغادر. - واقعة بواقعة.

وكثيرا ما كان - ابنها - سيف اليزن، يضطلع هو بنفسه بإطباق الفك الثاني للكماشة القاتلة على سيف أرعد، من داخل بلاد الحبشة ذاتها، وكأنه إنما يستكمل لأمه قمرية - دون أن يعرفها - إحكام وإطباق خططها دون علم منه أو منها ومن دون أية اتصالات جارية بينهما سوى أن كلا منهما، إنما يسدد سهامه وخططه في جسد - ومقتل - عدو واحد.

صفحة غير معروفة