سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

شوقي عبد الحكيم ت. 1423 هجري
139

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

تصانيف

وهي الحرب التي امتدت رحاها على طول أواسط أفريقية وقرنها الموصل إلى اليمن والجنوب العربي.

كما أنها حرب كانت قد تأجلت طويلا، نظرا إلى الظروف والملابسات الفاجعة التي مرجعها المرض المفاجئ للتبع ذو اليزن، عشية زواجه من قمرية التي كانت قد انشغلت بدورها بحملها المتعثر بابنه سيف، الذي دفعت به إلى الوجود يتيما بعد حدث موت ذو اليزن الفاجع في غيبتها، وهي تدفع فلول الأحباش الذين شارفت كتائبهم المتربصة المخربة أسوار «أحمرا» ذاتها.

وهكذا نجحت قمرية في إجهاض عدوان سيف أرعد المبيت بعد إشاعته - الكاذبة - لموت ذي اليزن، متصورا هو ووزيره المتآمر المعادي للعرب «سقرديون» أن الطريق قد أصبح أمامهما مفتوحا لتقويض عاصمة التباعنة بوسط القارة السوداء التي نبتت كمثل شوكة ترمي إلى تعريب أفريقيا مبكرا.

إلا أن سيف أرعد لم تغفل عيناه عن مرماه بتخريب أحمرا والانتقام الأسود المبيت من جاريته - أو مملوكته - قمرية التي خانته قبل أن تخون الملك ذو اليزن، حينما جاءته مغتالة، فاستحالت إلى محبة أنهت مهمتها بالاقتران به.

ترنم أرعد في حقد: تلك الذئبة، صحيح؛ لأن أباك «ديب».

حتى إذا ما استوثق سيف أرعد من مواراة التبع اليمني - كما كان يدعوه - الثري، بذل المستحيل باتجاه إعادة تكوين نواة جيشه، مشجعا وداعيا قومه إلى الإكثار من النسل والإنجاب، ومستقدما بعض فلول كتائبه من البلاد التي كان يحدوه حلم أسلافه «أسود يهوذا» بتملكها بدلا من أن تسقط في أيدي العرب - الساميين - بدءا من مصر العليا، والسودان وبلاد النوبة، وانتهاء بالمغرب الكبير، وبخاصة تلمسان التي كانت شبه خاضعة لسيطرته وتمدد نفوذه السرطاني.

في تلك الأثناء، لم تخمد نيران مؤامرته المتكررة هو ووزيره الشرير سقرديون، لاختطاف أو قتل أو اغتيال سيف بن ذي يزن الطفل والرضيع ثم الشبل.

إلى أن تراءى لقومه، أن الحكمة تقتضي رعايته وتربيته في الخفاء بعيدا عن العيون حتى أمه ذاتها، متنقلا من موطن وكيان، وقبيلة ومدينة إلى أخرى، بمأمن عن أذرع سيف أرعد السرطانية الطويلة المتوغلة في تلك القارة السوداء الغارقة في سباتها، أفريقيا.

وهي الأيدي التي تمددت كأخطبوط، وكان على قمرية مواجهتها - إن لم يكن اليوم فغدا - لإعادة استئصالها، وإلا لضاع كل شيء من ميراث التباعنة، سواء في أفريقيا، أو في ربوع جزيرة العرب جنوبا وشمالا على السواء.

ومن هنا أهابت بجميع الأقوام التابعة ضرورة الصحوة وجمع الشمل ونبذ الأحقاد، مسافرة متنقلة محرضة بنفسها.

صفحة غير معروفة