قال السيد شرف الدين رضي الله عنه: لما كان قبل قيامه عليه السلام بقريب من العشر السنين أراد الله تعالى أن يعلو ذكره، وشهد بين الورى فضله، فكانت كل فضيلة تذكر يذكر له من أجناسها وأشكالها عدة، وجعل الناس يذكرون ويكثرون في فضائله ويغرقوون في عظيم بركاته، ولم يزل ذلك ينمو ويتزايد في ألسنة الناس، وينقله الركبان والحجاج، والضاربون في الأرض شرقا وغربا وبرا وبحرا حتى عظم ذلك في قلوب الناس، وتحدثوا فيه بضروب، فمنهم من يرى له في المنامات العجيبة التي تكاد تخرج عن المعتاد، ومنهم من ينذر له في مريض فيعافيه الله تعالى، أو في زرع فينمو ويزكو ويبارك الله فيه ويضاعف ثمره، ويسلم من الآفات التي تصيب، ويجاوره ويصاقبه حاشية بعد وفاته صلوات الله عليه الأمر باق على مر السنين مما عاناه وشاهده أفقر عباد الله علي بن محمد القاسمي العياني أنه كان في عيان جربة زرع، وكنت نذرت فيها للإمام المهدي عليه السلام بتلام فلا يلحق زرعها ضر أبدا حتى لقد كان من غير في زرعها شيئا لا تمضي عليه السنة إلا وقد شاهد في نفسه وأولاده ما يكره حتى لقد كان في سنة عشر بعد الألف أطهفنا هذه الجربة وجاء فيها طهف عظيم فلما بدا صلاحه ترجح لبعض مشائخ الجهة المعروفين آل غريب، خرج ولد منهم في الليل غير في الطهف مقدار أربعة أتلام، وانتبه الحامي وطرده وفات، فلما أصبح قال الحامي: أنا عرفته هو علي بن مطهر بن غريب فطلبنا عمه عامر وقلنا له: فأنكره وجاء بالولد وقال: احلف على قبر الإمام القاسم عليه السلام ما هو أنا فعلت للحاضرين ما احتاج إلى يمينك إلا أني سأمهلك إلى رأس الحول فإن جاء رأس الحول وأنت بخير فأنت بريء ولا عليك يمين ولا طلاب، وإن جاء رأس الحول وقد بدا عليك فقد صح أنه فعلك ولزم عمك الفعل وأدب، قال: نعم ورضي بذلك في مشهد، وكان ذلك في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة وكان إلى سلخ شهرشعبان، وخرج الولد متبرجا في بعض ماله فخرج عليه حنش لسعه في أصبع رجله ومات من ساعته فما شعرنا إلا بعمه جاء برأس بقر عقره وقابلنا في فعل بزيه، وهذ أمر ظاهر وهذه الجربة إلى الآن محترمة من كل مؤذي. انتهى.
ومنهم من ينذر له الخيل من آفة تعرض لها فيسلم ما نذر فيه أو في جمل فيأتي على وفق ما يريد الناذر.
ومنهم من ينذر له في الغنم شيئا مخصوصا[9ب-أ]، فيأتي بالقوم.
ومنهم من ينذر له في الأسفار ولجج البحار فينجيه الله مما يكره.
ومنهم من ينذر له في بضاعة فيبارك فيها وتسلم من المهالك، ولا يسلم غيرها مما لا نذر فيه.
ومنهم من ينذر له إذا انقطعت ذريته فيحصل له النسل كما أراد.
ومنهم من ينذر له إن كفاه الله شر عدوه أو نصره عليه أو غير ذلك حتى لقد كان الناس يفزعون إليه عند الشدئد وإلى البركة بالنذر واستمداد الدعاء في جميع أحوالهم، وكان ذلك أمرا عاما عند ملوك العصر وغيرهم حتى كان وحيدا في الفضل مصمودا بالبركة، ومن الناس من يأتي بالعجائب من طريق الملاحم وأهل الحسابات في الزنجات، وما يجري مجراها من أحكام النجوم، ولو ضبط ذلك كلما تحدث الناس به من الجهات المختلفة والأقطار المتباينة لكان ذلك يحتمل تصنيفا مفردا فيما يغلب على الظن. والله أعلم.
صفحة ٢٩