(فصل) وأما مناقبه في حسن المعاشرة لأهل الزمان
فاعلم أن الله جل جلاله غرس في قلوب الناس له محبة وودادا، وجعل في كلامه وحديثه لهم سدادا ورشادا، ولقد أجمع على محبته حتى قوم من أهل الذمة مع بعدهم عن دين الإسلام وسبابتهم لجده عليه أفضل الصلوات والتسليم، ولقد كان منهم من يأتيه بالنذر والبر ثم يسأل عن شأنه فيقول: رأينا الخلق مجمعين على محبته فقلنا ما هنالك إلا مزية به وخاصية من الله أو كما قالوا، فكان عليه السلام يعاشر الناس بما يقرب به قلوبهم، ويضم به شاردهم، فإن وعظ تصدعت لوعظه القلوب، وإن رغب فيما عند الله فكأنه يطلع السامع على عميقات الغيوب، وإن سمع فاحشا أحسن في إزالته وحسمه، وإن رأى منكرا غيره أو بعد عن أهله، وإن عاد مريضا فرج عليه كربه وشوقه إلى لقاء ربه، وأمره بالجد والأهبة في طاعة الله، وعنى في استخلاصه من حبالة الشيطان ومصائد الفتان، وإن عاشر غنيا حقر إليه الغنى ونخوته، وإن خالط فقيرا لم يستحقره وحبب إليه الفقر والتعفف، وأعانه إن تمكن، وبذل الواسع في نفاعته، وإن رأى بين أحد من المسلمين ما يؤدي إلى الاختلاف والفتنة والغضب والمهاجرة سارع إلى ذلك بنفسه، وأطفأ ثائرة الفتنة، وحسم مادة الغضب ورأب الصدع، ورد القلوب بمن الله على أحسن ما كانت عليه، وكذلك إن جرى بين أحد من الناس ما يؤدي إلى القتل والقتال وانتهى ذلك إليه فقد كان في آخر أيام الدرس وقبل القيام كعبة للأنام، وعمدة لأهل الإسلام، ومنهلا يرده الخاص والعام، ولقد كان جيرانه وإخوانه إذا نام الليل واحتجب عنهم يستوحشون لفراقه مع قرب العهد.
وفي هذه[9أ-أ] الإشاره كفاية في هذه المنقبة الشريفة.
(فصل) وأما مناقبه وخصائصه في العلم
فقد اندرج حيث ذكرنا شأنه، وفي ذلك كفاية لمن أنصف ونظر لنفسه ولم يتبع هواه، ولا أعطى زمام قلبه سواه، وسنذكر جملا مما شهد به أعلام علماء العصر في تكامل خصال الإمامة فيه نظما ونثرا، ولفظا ومعنى.
صفحة ٢٧