بعدله، وإن كان غير ذلك انتفض به الصراط انتفاضة صار بين كل عضو من أعضائه مسيرة سنة، ثم ينخرق به الصراط فما يلقى قعر جهنم إلا بحر وجهه. وروى معاذ بن جبل أن النبي ﷺ قال: إن القاضي لينزل في جهنم في مزلقة أبعد من عدن. وقالت عائشة ﵂: سمعت النبي ﷺ يقول: يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة.
وروى الحسن البصري أن النبي ﷺ دعا عبد الرحمن بن سمرة ليستعمله فقال: يا رسول الله خر لي. قال: اقعد في بيتك! وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: ليودن أقوام يوم القيامة لو وقعوا من الثريا ولم يكونوا أمراء على شيء، فكم من متخوض في مال الله ومال رسوله له النار غدًا يوم القيامة. وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة: إمام ظالم غشوم وغالٍ في الدين مارق منه، وقال أبو هريرة ﵁: ما من أمير يؤمر على عشرة إلا جيء به يوم القيامة مغلولًا نجاه عمله أو أهلكه. وقال طاوس لسليمان بن عبد الملك: هل تدري يا أمير المؤمنين من أشد الناس عذابًا يوم القيامة؟ قال سليمان: لا أدري. قال طاوس: أشد الناس عذابًا يوم القيامة من أشركه الله في ملكه، فجار في حكمه. فاستلقى سليمان على سريره وهو يبكي، فما زال يبكي حتى قام عنه جلساؤه.
وقال حذيفة بن اليمان: من اقتراب لساعة أن تكون أمراء فجرة وقراء كذبة وأمناء خونة، وعلماء فسقة وعرفاء ظلمة. وقال عبيد بن عمير: ما ازداد رجل من السلطان قربًا إلا ازداد من الله بعدًا، ولا كثرت أتباعه إلا كثرت شياطينه، ولا كثر ماله إلا كثر حسابه. وفي الحديث عن النبي ﷺ: القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل قضى بغير علم فهو في النار، ورجل قضى بعلم فجار فهو في النار، ورجل قضى بالحق فهو في الجنة؛ رواه يزيد عن النبي ﷺ وقال ابن سيرين: جاء صبيان إلى عبيدة السليماني يتخايرون إليه في ألواحهم فلم ينظر فيها، وقال: هذا حكم ولا أتولى حكمًا أبدًا، وتخاير غلمان إلى ابن عمر فجعل ينظر في كتابتهم فقال: هذا حكم ولا بد من النظر فيه.
والمصنفون يرسلون كتبهم حديثًا مرفوعًا رواه أبو داود في سننه أن النبي ﷺ قال: من قدم للقضاء فقد ذبح بغير سكين. وفي أخبار القضاة أن قاضيًا قدم إلى بلد، فجاء رجل له عقل ودين فقال له: أيها القاضي أبلغك قول النبي ﷺ: من قدم للقضاء فقد ذبح بغير سكين؟ قال: نعم. قال: فبلغك أن أمور المسلمين ضائعة في بلدنا فجئت تحيزها؟ قال: لا. قال: أفأكرهك السلطان على ذلك؟ قال: لا. قال: فاشهد أني لا أطأ لك مجلسًا ولا أؤدي عندك شهادة أبدًا. وروي أن أبا بكر الصديق ﵁ قال في بعض خطبه: إن الملك إذا ملك زهده الله في ملكه ورغبه فيما في أيدي الناس، وأشرب قلبه الإشفاق فهو يحسد على القليل ويسخط على الكثير، جدل الظاهر حزين الباطن، فإذا وجبت نفسه ونضب عمره وضحا ظله، حاسبه الله فأشد حسابه وأقل عفوه.
وذكر السلطان أعرابي فقال: والله لئن عزوا في الدنيا بالجور لقد ذلوا في الآخرة بالعدل، وبقليل فإن رضوا من كثير باق، وإنما يكون الندم حيث لا ينفع الندم. وقال أبو بكر بن أبي مريم: حج قوم فمات صاحب لهم بأرض فلاة فلم يجدوا ماء. فأتاهم رجل فقالوا: دلنا على الماء، قال: احلفوا لي ثلاثة وثلاثين يمينًا أنه لم يكن صرافًا ولا مكاسًا ولا عريفًا ولا بريدًا، ويروى ولا عرافًا، وأنا أدلكم على الماء. فحلفوا له ثلاثة وثلاثين يمينًا، فدلهم على الماء. ثم قالوا: عاونا على غسله، قال: احلفوا لي ثلاثة وثلاثين يمينًا
1 / 41