فعمه؟ قال: عن سيرته وطعمته. قال: فأجور السيرة وأخبث الطعم، وأعدى العداة على الله وأحكامه. قال: فغضب الحجاج وقال: ويلك أوما علمت أنه أخي؟ قال: بلى. قال: إذن أفتك بك. قال: أما علمت أن الله ربي والله لهو أمنع لي منك أكثر منك لأخيك. قال: أجل أرسله يا غلام.
وقال الأصمعي: حدثني رجل من أهل المدينة قال: سمعت محمد بن إبراهيم يحدث قال:
شهدت أبا جعفر بالمدينة وهو ينظر فيما بين رجل من قريش وأهل بيت من المهاجرين ليسوا بقريش، فقالوا لأبي جعفر: اجعل بيننا وبينهم ابن أبي ذئب. قال أبو جعفر لابن أبي ذئب: ما تقول في بني فلان؟ قال: أشرار من أهل بيت أشرار. فقالوا: سله يا أمير المؤمنين عن الحسن بن يزيد، وكان عامله على المدينة، فقال: ما تقول في الحسن؟ قال: يأخذ بالأحب ويقضي بالهوى. فقال الحسن: والله يا أمير المؤمنين لو سألته عن نفسك لرماك بداهية ونعتك بشر.
قال: فما تقول في؟ قال: اعفني! قال: لا بد أن تقول. قال: إن كان لا بد فإنك لا تعدل بين الرعية ولا تقسم بالسوية! قال: فتغير وجه أبي جعفر فقام إبراهيم بن محمد بن علي صاحب الموصل فقال: طهرني بدمه يا أمير المؤمنين. فقال له ابن أبي ذئب: اقعد يا بني فليس في دم رجل يشهد أن لا إله إلا الله طهور. ثم تدارك ابن أبي ذئب الكلام فقال: دعنا يا أمير المؤمنين مما نحن فيه، بلغني أنك رزقت ابنًا صالحًا في العراق، يعني المهدي. قال: أما إن قلت ذلك إنه لصوام لليوم البعيد ما بين الطرفين. قال: ثم قام ابن أبي ذئب فخرج. فقال أبو جعفر: أما والله ما هو بمستوثق العقل ولقد قال برأي نفسه. ودخل أبو النظر سالم مولى عمر بن عبيد الله على عامل للخليفة فقال له: يا أبا النظر إنه تأتينا كتب من عند الخليفة فيها وفيها لا نجد بدًا من إنفاذها، فماذا ترى؟ قال أبو النظر: لقد أتاك كتاب الله قبل كتاب الخليفة، فأيهما اتبعت كنت من أهله.
الباب الثالث: فيما جاء في الولاة والقضاة وما في ذلك من الغرر والخطر
قال الله تعالى: ﴿يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (صّ: ٢٦) . جاء في التفسير: من اتباع الهوى أن تحضر الخصمين بين يديك، فتود أن يكون الحق للذي لك منه خاصة، وبهذه الخصلة سلب سليمان بن داود ملكه؛ قال ابن عباس: كان الذي أصاب سليمان بن داود ﵉ أن ناسًا من أهل جرادة امرأته، وكانت من أعز نسائه عليه، تحاكموا إليه مع غيرهم فأحب أن يكون الحق لأهل جرادة فيقضي لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدًا. ومن ذلك آية الملوك التي أنزلها الله تعالى في السلاطين لما اقتضته من السياسة العامة التي فيها بقاء الملك وثبوت الدول. قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: ٤٠) . ثم سمى المنصور وأوضح شرائط النصر فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا﴾ (الحج: ٤١) . فضمن الله تعالى النصر للمملوك وشرط عليهم أربع شرائط كما ترى، فمتى تضعضعت قواعدهم أو انتقض عليهم شيء من أطراف ممالكهم، أو ظهر عليهم عدو أو باغي فتنة أو حاسد نعمة، أو اضطربت عليهم الأمور أو رأوا أسباب الغير فليلجئوا إلى الله تعالى، ويستجيروا من سوء أقداره بإصلاح ما بينهم وبينه ﷾، بإقامة الميزان بالقسط الذي شرعه الله تعالى لعباده، وركوب سبيل العدل والحق الذي قامت به السماوات والأرض، وإظهار شرائع الدين ونصر المظلوم والأخذ على يد الظالم، وكف يد القوي عن الضعيف ومراعاة الفقراء والمساكين، وملاحظة ذوي الخاصة
1 / 39