فقال: حدثني عن أبيك. قال: نعم سمعت أبي يقول: قال رسول الله ﷺ: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل أشركه الله في ملكه، فأدخل عليه الجور في حكمه! فأمسك أبو جعفر ساعة حتى اسود ما بيننا وبينه؛ قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن ينتضح علي من دمه، ثم قال: يا ابن طاوس ناولني هذه الدواة، فأمسك عنه. ثم قال: ناولني هذه الدواة، فأمسك عنه. فقال: ما يمنعك أن تناولنيها؟ قال: أخشى أن تكتب بها معصية فأكون شريكك فيها. فلما سمع ذلك قال: قوما عني. قال ابن طاوس: ذلك ما كنا نبغي منذ اليوم. قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاوس فضله من ذلك اليوم.
وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت رجلًا يحدث عن ابن السماك. قال: بعث إلي هارون، فلما انتهيت إلى باب القصر أخذ حرسيان بضبعي فأعجلا بي في دهليز القصر، فلما انتهيت إلى باب القاعة لقيني خصيان ضخمان فأخذاني من الحرسيين فأعجلا بي في قاعة القصر، فانتهيت إلى البهو الذي هو فيه، فتلقاني خصيان دونهما فأخذاني فأعجلا بي في البهو، فقال لهما هارون: رفقًا بالشيخ. فلما وقفت بين يديه قلت له: يا أمير المؤمنين، ما مر بي يوم منذ ولدتني أمي أتعب من يومي هذا! فاتق الله في خلقه واحفظ محمدًا في أمته، وانصح لنفس في رعيتك، فإن لك مقامًا بين يدي الله تعالى أنت فيه أذل من مقامي هذا بين يديك، فاتق الله واعلم أن من أخذ الله وسطواته على أهل المعصية كيت وكيت. قال: فاضطرب على فراشه حتى نزل إلى مصلى بين يدي فراشه. فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا ذل الصفة فكيف لو رأيت ذل المعاينة؟ قال: فكادت نفسه تخرج فقال يحيى للخصيين: أخرجاه فقد أبكى أمير المؤمنين.
ثم دخل مرة أخرى فقال له: يا أمير المؤمنين إن الذي أكرمك بما أكرمك به لحقيق عليك أن تحب ما أحبه وتبغض ما أبغضه، فوالله لقد أحب الله دارًا وأبغضتها وأبغض دارًا وأحببتها، فكأنما أردت خلاف ربك أو أردت سواه. واعلم يا أمير المؤمنين أن الذي في يديك لو بقي على من كان قبلك لم يصل إليك، فكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك، فاتق الله في خلافته واحفظ وصية محمد ﷺ في أمته. ودخل هارون على بعض النساك فسلم عليه فقال: وعليك السلام أيها الملك! ثم قال له: أيها الملك تحب الله؟ قال: نعم. قال: فتعصيه؟ قال: نعم. قال: كذبت والله في حبك إياه! إنك لو أحببته إذا ما عصيته، ثم أنشد يقول:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة
منه وأنت لشكر ذاك مضيع
وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قلت لجعفر بن سليمان بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب الهاشمي، والي المدينة: أحذر أن يأتي رجل غدًا ليس له في الإسلام نسب ولا أب ولا جد، فيكون أولى برسول الله ﷺ منك، كما كانت امرأة فرعون أولى بنوح ولوط من زوجتيهما، وكما كانت زوجة لوط أولى بفرعون من زوجته، من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، ومن أسرع به عمله لم يبطئ به نسبه.
وقال بشر بن السري: بينما الحجاج جالسًا في الحجر إذ دخل رجل من أهل اليمن، فجعل يطوف فوكل به بعض من معه قال: إذا خرج من طوافه فائتني به، فلما فرغ أتاه به فقال: ممن أنت؟ فقال: من أهل اليمن. قال: لقد تركته أبيض بضًا سمينًا طويلًا عريضًا! قال: ويلك، ليس عن هذا أسألك! قال:
1 / 38