وأقبل على القبرين، وقال:
خليلي هبا طالما قد رقدتما
أجدكما ما تقضيان كراكما
أرى النوم بين العظم والجلد منكما
كأن الذي يسقي العقار سقاكما
ألم تعلما أني بسمعان مفرد
وما لي فيه من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحًا
طوال الليالي أو يجيب صداكما
لأبكيكما طول الحياة وما الذي
يرد على ذي غصة إن بكاكما
كأنكما والموت أقرب غائب
بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقايةً
لجدت بنفسي أن تكون فداكما
سلام وتسليم وروح ورحمة
ومغفرة المولى على ساكنيكما
وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: إن قس بن ساعدة يبعث أمة وحده. يعني أن كل أمة آمنت برسولها تبعث أمة وحدها لا يخالطها غيرها، ويبعث قس أيضًا وحده أمة لا يخالطه أحد.
وروي أن المهدي نام يومًا فأنشد في منامه هذه الأبيات:
كأني بهذا القصر قد باد أهله
وأوحش منه ركنه ومنازله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه
تنادي بليل معولات ثواكله
فما أتت عليه عاشرة عشرة حتى مات.
وأنشدنا القاضي أبو العباس الجرجاني ﵀ بالبصرة هذه الأبيات:
بالله ربك كم قصر مررت به
قد كان يعمر باللذات والطرب
طارت عقاب المنايا في جوانبه
فصاح من بعده بالويل والحرب
اعمل وكن طالبًا للرزق في دعة
فلا وربك ما الأرزاق بالطلب
وأنشدني أيضًا:
أيها الرافع البناء رويدًا
لن تذود المنون عنك المباني!
إن هذا البناء يبقى وتفنى
كل شيء أبقى من الإنسان!
وقال الحكيم بن عمرو: قال أبو جعفر المنصور عند موته: اللهم إن كنت تعلم أني ارتكبت الأمور العظام جراءة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك: " شهادة أن لا إله إلا الله"، منا منك لا منا عليك. وكان سبب إحرامه من الخضراء أنه كان ذات يوم نائمًا فأتاه آتٍ في منامه فقال:
كأني بهذا القصر قد باد أهله
وأوحش منه أهله ومنازله
وصار عميد القصر من بعد بهجةٍ
إلى تربة تسقي عليه جنادله
فاستيقظ مرعوبًا من نومه، ثم نام، فأنشد أيضًا هذه الأبيات:
أبا جعفرٍ حانت وفاتك وانقضت
سنوك وأمر الله لا بد واقع
فهل كاهنٌ أعددته أو منجم
أبا جعفرٍ عنك المنية دافعٌ
فقال: يا ربيع ائتني بطهوري. فقام واغتسل ولبى وتجهز للحج ثم قال: يا ربيع ألقني في حرم الله تعالى.
وأنشدني القاضي أبو العباس الجرجاني بالبصرة:
إن كنت تسموا إلى الدنيا وزينتها
فانظر إلى ملك الأملاك قارون
1 / 21