واستولدت ألف ذكر، وافتتحت ألف مدينة وهزمت ألف جيش، وقتلت ألف جبار وصبحت الدهر واختبرته، وامتحنت تقلبه وانقلابه فلم أر شيئًا أشد من طالح يلي أمر صالح، ولم أجد لهذا الدهر شيئًا أنفع من الصبر ومسالمة أهله إلا في الحرص والطمع، ووجدت العز في الرضا بالقسم، وقال محمد بن أبي العتاهية آخر شعر قاله في مرض موته:
إلهي لا تعذبني فإني
مقر بالذي قد كان مني
فما لي حيلة إلا رجائي
وعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطايا
وأنت علي ذو فضل ومن
إذا فكرت في قدمي عليها
عضضت أناملي وقرعت سني
أجن لزهرة الدنيا جنونًا
وأقطع طول دهري بالتمني
وبين يدي ميقات عظيم
كأني قد دعيت له كأني
ولو أني صدقت الزهد فيها
قلبت لأهلها ظهر المجن
وقال ابن عباس ﵄، لما وفد وفد عبد القيس على رسول الله ﷺ، قال: أيكم يعرف قس بن ساعدة! قالوا: كلنا نعرفه يا رسول الله. قال: لست أنساه بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يعظ الناس ويقول: أيها الناس اجتمعوا، فإذا اجتمعتم فاسمعوا، وإذا سمعتم فعوا، وإذا وعيتم فقولوا، وإذا قلتم فاصدقوا. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرًا. مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحر لا يغور. أقسم قس قسمًا بالله قسم حق لا كذب فيه ولا إثم، لئن كان في الأرض رضى ليكونن سخطًا. إن لله دينًا هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا على حالهم فناموا! أيكم يروي شعره! فأنشدوه:
في الذاهبين الأولين
من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردًا
للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها
تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي
ولا من الباقين غابر
سكنوا البيوت فوطنوا
إن البيوت هي المقابر
أيقنت أني لا محال
ة حيث صار القوم صائر
ثم قال رجل: لقد رأيت من أمره عجبًا، اقتحمت واديًا فإذا أنا بعين خرارة وروضة مدهامة وشجرة عادية، وإذا قس بن ساعدة قاعد في أصل الشجرة وبيده قضيب، وقد ورد على العين سباع كثيرة. فكلما ورد سبع على صاحبه ضربه بالعصا وقال: تنح حتى يشرب الذي ورد قبلك. فلما رأيت ذلك ذعرت ذعرًا شديدًا، فالتفت إلي وقال: لا تخف. فالتفت فإذا أنا بقبرين بينهما مسجد فقلت: ما هذان القبران؟ فقال: هما قبرا أخوي كانا يعبدان الله تعالى معي في هذا الموضع، وأنا أعبد الله بينهما حتى ألحق بهما، فقلت له: أفلا تلحق بقومك فتكون في جيرتهم؟ فقال: ثكلتك أمك! أوما علمت أن ولد إسماعيل تركت دين أبيها واتبعت الأضداد وعظمت الأنداد؟ ثم تركني
1 / 20