هذه الأبيات:
هذي منازل أقوام عهدتهم
يوفون بالعهد مذ كانوا بالذمم
تبكي عليهم ديار كان يطربها
ترنم المجد بين الحلم والكرم
وقال عبد الله بن أبي سرح: نزل حي من أحياء العرب شعبًا من شعاب اليمن، فتشاحوا فيه واختلفوا واستعدوا للقتال، فإذا صائح يصيح: يا هؤلاء على رسلكم علام القتال في؟ فوالله لقد ملكني سبعون أعور كلهم اسمه عمرو!
فصل:
يا أيها الرجل، اعتبر بمن مضى من الملوك والأقيال وخلا من الأمم والأجيال، وكيف بسطت لهم الدنيا وأنسئت لهم الآجال وأفسح لهم في المنى والآمال، وأمدوا بالآلات والعدد والأموال، كيف طحنهم بكلكله المنون واختدعهم بزخرفه الدهر الخؤون، وأسكنوا بعد سعة القصور بين الجنادل والصخور، وعاد العين أثرًا والملك خبرًا؟ فأما اليوم فقد ذهب صفو الزمان وبقي كدره، فالموت تحفة لكل مسلم، كأن الخير أصبح خاملًا والشر أصبح ناضرًا، وكأن الغي أصبح ضاحكًا وأدبر الرشد باكيًا، وكأن العدل أصبح غائرًا وأصبح الجور عاليًا، وكأن العلم أصبح مدفونًا والجهل منشورًا، وكأن اللؤم أصبح باسقًا والكرم ذاويًا، وكأن الود أصبح مقطوعًا والبغض موصولًا، وكأن الكرامة قد سلبت من الصالحين ونوجي بها الأشرار، وكأن الخبث أصبح مستيقظًا والوفاء نائمًا، وكأن الكذب أصبح مثمرًا والصدق قاحلًا، وكأن الأشرار أصبحوا يسامون السماء وأصبح الأخيار يردون بطن الأرض! أما ترى الدنيا تقبل إقبال الطالب وتدبر إدبار الهارب، وتصل وصال الملول وتفارق فراق العجول، فخيرها يسير وعيشها قصير، وإقبالها خديعة وإدبارها فجيعة، ولذاتها فانية وتبعاتها باقية، فاغتنم غفوة الزمان وانتهز فرصة الإمكان، وخذ من نفسك لنفسك وتزود من يومك لغدك، ولا تنافس أهل الدنيا في خفض عيشهم ولين رياشهم، ولكن انظر إلى سرعة ظعنهم وسوء منقلبهم! قال الشاعر:
رب مغروس يعاش به
عدمته عين مغترسه
وكذاك الدهر مأتمه
أقرب الأشياء من عرسه
وقال التهامي:
تنافس في الدنيا غرورًا وإنما
قصارى غناها أن يؤول إلى الفقر
وإنا لفي الدنيا كركب سفينةٍ
نظن وقوفًا والزمان بنا يجري
ولبعض الشعراء:
تروح لك الدنيا بغير الذي غدت
ويحدث من بعد الأمور أمور
وتجري الليالي باجتماع وفرقةٍ
وتطلع فيها أنجم وثغور
فمن ظن أن الدهر باق سروره
فذاك محال لا يدوم سرور!
عفا الله عمن صير الهم واحدًا
وأيقن أن الدائرات تدور
وقال وهب بن منبه: قرأت في بعض كتب الأنبياء ﵈ أن المسيح ﵇ اجتاز بجمجمة هائلة عظيمة نخرة، فقال له أصحابه: يا روح الله لو سألت الله تعالى أن ينطق هذه الجمجمة، فعسى أن تخبرنا بما رأته من العجائب، ففعل فأنطقها الله تعالى، فقالت: يا روح الله إني عشت ألف سنة
1 / 19