وأما ورعه، -أعني علي بن عبد الله-(1)، وزهده وبعده من الدنيا، وأهلها فهاك مايشفي وما هو حجة علي وعليك إلا ما رحم الله، مخض أمره مخض السقاء، وتشكك حتى في جرع الماء، واقتات النوى حتى فيما ينبذ ويلقى، صار إليه منا ثوب من الصوف يساوي ستة دراهم في مقابلة عوض منه وفضل فأبرأته منه مرارا، وبعته منه مرارا، وأسقطته عنه مرارا، وكلما اتفقنا كرر كلام ذلك المسح البالي، بقوله: قد أبرأت وأنا قبلت، خيل لي أن المجالس التي كرر ذلك علي اثنا عشر مجلسا أو نيف (وأربعون)(2) مجلسا، ما لفظة: البراء والإسقاط والصرف، وكذا حكاه (لي) (3) من أثق به في عشرة أصواع من الطعام، وعشرة دراهم باحثة فيها وفي أصلها وأصل أصلها وصارفه فيها، وأبرأه منها، أن يكن مستحقا للصرف وإلا هبة وإلا صدقة وإلا نذرا، وفعل المعطى ذلك في (ذلك) (4) المجلس فصدر له وكلاء عدة بالبراء وصحة ما قد فعل فيها إلى نيف وخمسة عشر موقفا، وهلم جرا، ولله دره من زاهد، من نظر إلى قوله تعالى:{فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}، [الزلزلة:7، 8] قل فعله في التحرز في معنى ذلك والخشية لله تعالى، ومن تقرره في الطهارات ما لا يمكن وصفه، من اختلاط طهارات أهل الملل المختلفة في المساجد، وكفار التأويل ما لا يمكن وصفه، ولا يدخل بيوت الأغنياء والأمراء رأسا، ولا يصافحهم أبدا، شديد المولاة لأهل الله، شديد المعاداة في الله، قد تبلغ معه الحاجة غاياتها فلا يبالي بمشقة نفسه وأطفاله، ولو بسط يده لنال من الدنيا منتهاه لجلالة قدره، وعظم مودته في قلوب الأئمة الهادين وأهل الدنيا وذوي المال من المسلمين ، ومكارم أخلاقه فائقة، وفضله وفواضله وكرمه وشفقاته رائقة، أقل الناس كبرا، وألطفهم جانبا، حلو الشمائل، بساما في وجوه خاصة الناس وعامتهم، ما رأيته عبس وازور عن أحد من الخلق فيما أعرف وأحسب، محب لآل محمد بجنانه ولسانه وسيفه وسنانه، وجاهد الباطنية مع الإمام الناصر ( ع) بحراز وغيره، وتحمل في ذلك المغزى مشقة السفر وكآبة (المشقة) (1)، وكان معه تلميذه وقرة عينه وعيون المسلمين السيد الإمام، الصوام، (القوام) (2)، المختص بالفضائل، المنير بأشرف الخلال (وألطف)(3) الشمائل: الناصر بن أحمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، وهذا السيد أعاد الله من بركاته أكمل أهل زمانه، وآية أوانه، جمع العلم والعمل والورع والزهد والكرم ومكارم الأخلاق برمتها، يؤهل للخلافة، ويرجى لدفع كل مضرة ونيل كل مسرة، وهو بحمد الله لعيون المسلمين قرة، وقراءته في كل العلوم على الفقيه الإمام علي بن عبد الله بن أبي الخير ، وهو له ولآل محمد كالوالد الحدب، وشيخه في كتب الحديث(ولد)(4)عمه الإمام الواثق المطهر بن (يحيى) (5) (6) ، وكان إبراهيم الكينعي رحمه الله تعالى(1) في ذلك المغزى ثالثهم مع عدة من العلماء الراشدين والأفاضل المقربين أعاد الله من بركاتهم، ونفعنا بمحبتهم، وجزاهم عن الإسلام وأهله خيرا، ولمع البارق يدلك على النو المطير، وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة والبركة.
وسأذكر من عين من إخوانه رضي الله عنه وعنهم في موضعه إن عن-إن شاء الله تعالى- وبالله الثقة.
الفصل الثامن: والتاسع في كراماته الظاهرة والباطنة
وما فتح الله له في مجاورته البيت العتيق من الأسرار والكرامات في اليقظة والمنام.
الأولى: كتبت إلى الفقيه الإمام علي(بن عبدالله) (2) بن أبي الخير رحمه الله تعالى(3)، وقد تضجر في برية مدينة صنعاء لخريف العنب، أسأله عما يعرف من كرامات سيدي إبراهيم (بن أحمد) (4) الكينعي رضىالله عنه، فجوب كتابا، منه أن قال: سأل من أمره مطاع، ومخالفته لا تستطاع أن أذكر من أمور (أخي) (5) الفقيه الأوحد، بركة الزمان، ونور الأوان، أويس العصر، وإبراهيم بن أدهم الدهر إبراهيم بن أحمد الكينعي نفع الله به وأعاد من بركاته فلقد فاقت فائضلة(6) الحصر وفاق على فضلاء العصر، فرحمة الله عليه في كل حين مزورة في البكر والأصيل:
صفحة ٢٢٩