ثم تلك المرأة التي سمج تركيبها فتحامتها العيون، ثم الأخرى التي قمعت في بيتها تختبئ فيه من القبح؛
11
فصارت سرا في صدر الحيطان، ثم تلك التي تلوح في النساء كالسطر المضرب عليه أفسده الخطأ، ثم المهزولة التي أدبر جسمها،
12
وتقبضت أعضاؤها، وأصبحت جلدة تمشي وتتكلم ... أفترى هؤلاء أو إحداهن كتلك الغانية المتشكلة في ألوان الثياب كأنما تلبس بدنها الجميل بدنا معنويا يدل على معانيه، أو الأخرى التي تظهر في جمالها الفتان عاطلة من كل حيلة، ومع ذلك ترف على حسنها روح الياقوت، والألماس، واللؤلؤ مما عليها من البريق والشعاع، أو المطوية الممشوقة المسترسلة، كأنها في قوامها ووجهها غصن الجمال وزهرته، أو الحسناء اللعوب المزاحة، كأنما اجتمعت طباعها من نور القمر أطل في ليلة من ليالي الربيع يداعب أوراق الورد النائمة، أو ... أو تلك يا شيخ علي ...؟
قال الشيخ علي: فيا ويلك! إني والله بك من رجل لخبير،
13
أفمن أجل واحدة؟ أما إنه لعل الذي جعلها حقا عندك هو الذي يجعلها باطلا عند سواك، ولعله ما حسنها في عينك إلا أن طبعا من الجد فيك استملح طبعا من الهزل فيها، كما ترى معنى مكدودا في إنسان يستروح إلى نقيضه في إنسان آخر. ولعل من أمتع اللذات وأبهجها لقلب المهموم أن يتصور في همه من يعرفه طروبا فرحا، وإن كان كلا الرجلين لا يسكن لعشرة الآخر لو تعاشرا واختلطا. وهذه القلوب لا تؤتى من مأتى هو أدق وأخفى من توهم ما فيه اللذة؛ فإن النفس ترجع عند ذلك بكل حقائقها إلى نوع واحد من الوهم، ينصرف بها إلى تمثل هذه اللذة التي استشرفت لها، وطمعت فيها، فإذا طعمها في الدم يهيج له سعار
14
الجوع العصبي ... وما هي السرقة مثلا إلا أن يضع اللص عينه على المال أو المتاع، ويتذوق طعم اليسر والفائدة، فتجن أعصابه جنون الحاجة، فلا يرعوي إلى شيء من الرأي يزجره، أو يمنعه، أو يكفه، ويكون في الحقيقة سارقا من قبل أن يسرق، وكذلك يكون الفاسق متى نظر إلى المرأة واشتهاها، ونبه معانيها في نفسه، وقل مثل هذا في كل من طار قلبه، وطار صوابه.
صفحة غير معروفة