ولكن بكت قبلي فهيج بي البكا
بكاها فقلت الفضل للمتقدم
أيها الفقيد الشهيد
هاجرت في سبيل العلم والوطن، ولم يثنك عن المهاجرة رجاء والدتك الثكلى التي أنت كل أملها في هذا الوجود، ولم يقعدك توسلها وضراعتها إليك، وتلهفها عليك، وتوجعها لبعدك، وتفجعها لفقدك، بل ولا دموعها التي كانت تفيض منها أسى نفسها، وتتطاير لهب أنفاسها، ومن ورائكما وطنك يهيب بك أن سافر في طلب العلم الصحيح وعد به تنشره علينا، وقل هذه بضاعتنا ردت إلينا.
فأصخت للوطن السمع ولبيت نداءه، علما منك بأن حبه فوق كل حب، وأن في إسعاده إسعاد الكل، ولم ترحم كبر والدتك وشيخوختها ولسان حالك يقول:
ذريني أنل ما لا ينال من العلا
فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة
ولا بد دون الشهد من إبر النحل
سافرت أنت ورفاقك وقد ودعتم منا أجمل وداع يليق بهممكم وشممكم ونفوسكم الوثابة للمجد الطماحة إلى الجهاد لنصرة الوطن المفدى، وداعا يليق بتلك القلوب المملوءة عزما وحزما وهمة وذمة، وأملا وعملا، لأنكم ضربتم لنا في هجرتكم هذه مثلا بليغا في الإقدام وتضحية النفس والنفيس في سبيل الوطن العزيز، وفي أنكم لم يرضكم من العلوم القشور ومن المعارف مصة الوشل، بل أردتم أن تردوها عذبة من منابعها صفوا من مناهلها لا يشوبها شائب أو يكدرها مكدر.
صفحة غير معروفة